شَهادتِي على أبي عبدِ اللَّه عبدُ اللَّه بنُ إبراهيم لاَم النِّيُورويّ أمير جماعة عباد الرحمن كبرى الحركات الإسلامية في السنغال

شَهادتِي على أبي عبدِ اللَّه عبدُ اللَّه بنُ إبراهيم لاَم النِّيُورويّ

أمير جماعة عباد الرحمن

كبرى الحركات الإسلامية في السنغال

(*) محمد بشير جوب

 

    أكتبُ وحديث النفس يلومُني عن الكتابة في شيخٍ لوأعطيتُ مفاتيحَ الدُّنيا من الفصاحة والبلاغة لما استطعت الوفاء بحقِّه؛ ولكنْ أبتِ القريحة إلا أن تُلبِّي نداء نفسي فطاوعْتُ قلمِي لأسطرَ شهادةً للتاريخ تكونُ عنوانُها وفاءُ تلميذٍ لشيخه، واعترافٌ له بجميلِه، في وقت تم تقديمه ليقود أمانةً تعلَّقَت بها آمال كثيرٍ من الناس.

رمانيَ الدَّهرُ وأنا في مسيرتي التعليمية إلى عاصمة السِّكة الحديدة « تِياسْ » وهناك خالفي الحظُّ في نيَّتي لمواصلة الدِّراسة في المدارس الأزهرية، وكُتبَ لي في القدر الالتحاق إلى معهد « الحاج عمر تال » التابع لـ « جماعة عباد الرحمن » هناك انْكشف الخيْطُ الأوّل الذي سيَربطُبي بالشيخ لاحقاً، مضت الأيامُ وتعاقبتِ الأحداث، وعاملُ الحظوظِ والمقاديرِ يتلقَّى الأوامرُ من مدبِّر الكونِ ويُحدِث عليَّ آثاره.

        أنهيت مراحلَ المعهد فوجدتُ نفسي في عالم التيه والحيرة، أبحثُ عن دوحةٍ أخرى أكمّلُ فيها نقصي الذي يُرَاودُني، فرماني القدر إلى العاصمة « دكار » حيث أقمت في بيت خالي الغالي، أبي الحسن « عبد الرحمن يوسف كاه » وهناك بدايةُ عهدٍ جديدٍ ونهاية الخيط الذي سيربطني بالشيخ « أبي عبدالله » الذي كان يسكنُ آنذاك مع صديقه وخالي « أبي الحسن » في بيتٍ واحدٍ.

        في سنة 1960 وُلد الشيخ أبو عبد الله{1} في قريةِ « مابُو »  بإقليم « كافْرِين » مابين « كُونْغِل » و « دِمشق »  من أسرةٍ فولانيةِ الأصل؛ حيث نزحتْ أسرةُ والده من منقطة « حلاَيِب » بـ « فُوتَ » إلى قريةٍ في « سالم » اسمها « بمبَ مودُ » نسبةً إلى مؤسِّسها الشيخ  » محمد بامبا صال » حيثُ أرادتِ الأسرة  الالتحاق بالشيخ « محمد بمبا صال » الذي سمِّي بالشيخ المجاهد « أحمد بمبا امباكي » بينما تنتمي أسرة والدة الشيخ إلى « جُلفْ » في قريةِ « وَارْخوخْ » ومنها هاجرت الأسرة للالتحاق بالشيخ « محمد بمبا صال » نفسه ومنه تعلَّموا ثم هاجرو من جديدٍ واستقرُّوا في سالم.

وبعد ولادت الشيخ بستَّةِ أشهرٍ هاجرت الأسرة من « مابُو » إلى « انْجُورُو جِريبْ » ومنها انتقل إلى « كُونْغِل » حيثُ يقيمُ جدُّه، ومكث هناك إلى السَّابعة من عمره وبدأ دراسة القرآن من جدّه، وفي سنة 1968 نقله والده إلى قرية « نِيَاسينْ وَالو » ودرس القرآن على يد « أحمد نياس » وهو ابن عمّ « شيخ إبراهيم نياس الكولخي » ومكث عنده ثلاث سنواتٍ، وفي منتصف 1970 أخذه أبوه وعاد به إلى « انْجُوجورْ » وهناك حفظ أكثر القرآن من والده، وبعده أعاده الوالد إلى نفس القرية حيث هناك بدأ دراسته النظامية مابين مدرستيْ الشيخ « مرتضى امْبَاكي » و الشيخ « إبراهيم نياس الكولخي ».

بعد حصوله على الشهادة الإعدادية، جمع الشيخ بين العمل بالتجارة والتدريس والدراسةِ، وكان من شيوخه « الشيخ داود » حيث درس منه القرآن برواية قالون، والنّحو والبلاغة والفقه، كما تَتَملذ على يد الشيخ  « مالك انجاي » والشيخ « عبد الكريم غي ».  

شدَّ الشيخ الرحال لطلب العلم إلى بلاد الشنْقيط ثم منها إلى بلاد الشام، فالتحق أولاً بالمعهد السعوي في « موريتانيا » وتخرَّج فيها بشهادة البكالوريوس في الشريعة العامة في سنة 1996، رجع بعد ذلك إلى بلده ولم يمكث فيه إلاّ سنتين؛ ليسدَّ رحاله مرةً ثانيةً إلى « الأردن » حيث التحق بالجامعة الأردنية؛ لتكملة دراساته العليا في الفقه وأصوله، وفي الأردن جمع الشيخ بين الدراسة الجامعيّة والدراسة في المشايخ، فدرس على يد الشيخ » شعيب أرناؤوط » الفقه والحديث والتفسير، وأخذ من الشيخ « توفيق ضمرة » إجازات في القراءة، في روايتي حفص وشعبة من قراءة عاصم، وروايةِ قالون عن نافع.

عمل الشيخ نائباً لرئيس حركة الطلاب السنغاليين في موريتانيا ثم رئيساً لها، كما عمل  نائباً لرئيس حركة الشباب التابعة لجماعة عباد الرحمن في منطقة  » زِيغِنشُورْ » في فترة مابين 1990 إلى 1991.

وعمل بعد ذلك نائباً لرئيس فرع جماعة عبادة عباد الرحمن في « كولخ » ومسؤول الدعوة، ثم نائباً لرئيس لجنة الدعوة، ثم نائبا لأمير الجماعة ومسؤولاً للتربية فيها.

جعل الشيخ حياته وقفاً لله بين طلب العلم وتعليمه، وبين دعوة الناس وإرشادهم إلى الخير، فجعل بابه مفتوحاً على مصراعيه لكل طارقٍ يسعى إلى الخير، وخاصة لفئةِ الشباب المتعطِّش للعلم والتربية لمواجهةِ تحديات زمانهم، فإن رُمتَ علماً نافعاً يأخذ بيدك إليه، وإن رُمتَ منهجاّ سليماً للدعوة يفتحُ لك باب الوصول إليه، ويُبيَّن لك الوسائل المناسبة، ويتدرَّج معك بأسلوبٍ مليئٍ بالحكمة، يجعلك تشعر بالفرق بينك وبين الآخرين.

عشت مع الشيخ عن قربٍ فوجدته مثالاً في الحلم والتواضع، وحب النّفع للغير، جعلني ذلك أزداد كل يومٍ تقرُّباً إليه، ولستُ الوحيد الذي كشف هذه المزيّة عن الشيخ؛ بل توجُّه الطلاب إليه من كلَّ صوبٍ وحدبٍ؛ كان خير دليلٍ على ذلك، لقد كانت حالقاتُ العلم تَتْرى عنده، تارةً في علم الأصول أو في علم المنطق، وتارةً في الحديث وتارة أخرى في القراءات، علمٌ أصيلٌ ومنهجٌ قويمٌ، قيمتان يتميَّزُ بها دروس الشيخ، وهي أحوج مايكون عليه طالبُ علمٍ في عالم مُتحيِّر، فهمُّ الشيخ دائماً أن يغرس في طلابه العلمَ القائم بالمنهج الصحيح مع آداب الدعوة والتعامل مع الآخر.

لم أكن أنْهلُ بالعلم فحسب من الشيخ، بل كان تعامله هو الأخرى،  مدرسةً جمعت في وعائها قيَماً تُسوَّي السُلوك، وتُهذِّب الضمير، وتزَكِّي النفس، وتعيد تقويمَ الإنسان ليعرف دوره وواجبه نحو الآخرين، كيف لا؟ ولقد أخذ الشيخ من جوامع الخلق أحسنَها هي الحلم والأناة.

في ربوعِ إقليم « كاوْلخْ » في منطقة « غانْجَاي » انتدبني الشيخ أنا وثلٌةٌ من الشباب لمهمّةٍ دعوية في تجربة نوعيّةٍ، وكان الجوّ مختلفاً بعض الشيء، انتقلت من ميدان النظرية إلى ميدان العمل، في جوٍّ محفوفٍ ببعض التناقضات، بالنسبة لي كانت هي الأولى من نوعها، كما كانت لي فرصةٌ أخرى سانحةٌ، ستجعلني أكتشف عند الشيخ صفات القائد المتيقّظ، رغم أن جلَّ فريق العمل من طلابه أنزلَ كلَّ واحد منّا منزله، وجعل الاحترام وتقدير الآخرين سيدَ الموقف، فإذا أصدر أمراً لأحدٍ فبرفقٍ، وإذانتقد قولاً أوعملاً فبلطفٍ، وإذا نصح للفرد أو للجماعة فبإخلاصٍ، يألف بسرعةٍ ويخالط الجميع، لايفرّق في مزحته بين الصغيرِ والكبيرِ، وفي وقت الفراغ كنّا لا نريد أن نفارق جلسته، ونتعلّم من نُكتِه كمانتعلم من دروسه، ومع كل ذلك إذا جاء الجدُّ ترى علامات الهيبة والوقار في صفحات وجهه، أدركت قدر الشيخ أكثر فأكثر بتقدير أقرانه له، فلايذكرونه إلا بالخير، ومن اختلف معه في مسألةٍ، اعترف له بقوة حجته، وسعة صدره، واطِّلاعه الواسع، وحكمته في عرض وتناول القضايا، كما لايذكرهم أيضا إلا بالخير يعرف لهم فضلهم، ويقدر مذاهبهم، وكثيراً ما يذكر فضل مشايخه، أمثال الشيخ « مالك انجاي » وشيوخ مشايخه ممن حملُوا راية الإسلام، أمثال الشيخ « أحمد بمب »  والشيخ « الحاج مالك سي » وغيرهم، فمنهج الشيخ هو الأخذ بالحقيقة أنّى وجدت دون محاباة أو تحاملٍ على أحد.

يحظى الشيخ بتجربةٍ دعويةٍ جعل طرحه الدعوي متميّزاً عن بعض الأطروحات الرائجة في الساحة، فشغله الشاغل هو الدعوة إلى بناء جسور التواصل بين جميع الطوائف العاملة في الساحة، وإلى التكامل بدل التحامل، وذلك من خلال تبني خطابٍ دعويٍّ متكيّفٍ مع الواقع، يدافع عن الإسلام عامةً، ويدعو إلى توحيد الصف الإسلامي، ومتبنِّيا المنهج النبوي في الدعوة إلى التبشيروالتيسير، ومخاطبة الناس على قدر عقولهم.

    لم يكن من الصدفة أو سوء التقدير أن تمنح هذه الجماعة المباركة ثقتها على أبي عبد الله، والدعوة في مرحلةِ تحولاتٍ جذريةٍ، أحوج ماتكون فيها القادة يقظِين ومُتبصِّرين، واعينَ لمتطلبات المرحلة، قادرين على لمّ شمل المسلمين في السنغال، وحملهم على العمل معاّ لمواجهة التحديات الماثلة أماهم، ونحن نذكر هذا تجدر بنا أن نشكر أولئك القامات العظيمة الذين ذلّلوا طريق الدعوة حتى صار مُعبّداً، وأمِنُوكم فيها اليوم كي تكمّلُوا المصير.

أقول في الشيخ هذه الشهادة والله يشهد أني لم أُوردْ شيئا إلا ورأيته فيه، ويكره من الناس أن يذكروه لتواضعه، إلاّ أن في ذكره ذكرَى وعبرةً للأجيال القادمة، عسى الله أن ينفعنا أو ينفعهم بها، وفقكم الله يا أبا عبد الله أنتم ومن معكم في حمل هذه الأمانة، ونصرَكم في نصرة دينه وجمعِ كلمة المسلمين على حقّ، ووفقكم لما يحب ويرضى وأخذ بنواصيكم للبر والتقوى، وجزاكم كل الخير على ما تقدمونه للإسلام،  ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، وزادكم من الهدى والتوفيق.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

{1} جزء من ترجمة الشيخ لنفسه في مقابلة له مع « الوالي بدر صو » في مجموعة (وسطيون) بتارخ 16 ربيع الأول 1438ه ،  الموافق 16 ديسمبر 2016م.  

 

انتهت في ليلة 17 الربيع الثاني 1438ه ، الموافق 16 يناير 2017م.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.