الدين والسياسة حكاية التاريخ لقبة البرلمان

(*)  الحاج مصطفى امباكي

صناع الملوك أو عرّابو التغيرات، أو الحكومة الموازية أو مايعرف بالدولة العميقة أو الحكام الفعليّون للدولة أو سدنة المعابد الذين لايستسلمون حتى آخر رمق لهم،أوكهنة المجتمع وعاصموها من ويلات التمزق،أو الثروة التي هي جزء من أطروحات متمثلة في أشخاص،أو الإصلاحيون اللامنتمون، أو صنابير الخير والبشر ،متناقضات وأكثر هي تلك الأسماء التي تطلق على العلاقة بين رجال الدين والسلطة تلك الصداقة التي قال البعض إنها أحيانا لاتتعدى أن تكون استثمارا تدر على طرفيها بخير وفير دون أن يعلم المتابعون لخشبة المسرح مايدور حول الكواليس مع أنه يوفر غطاء مانعا من ضريبة الدخل الذي طالما أرهق المواطنين من الدرجة الثانية ،
هل هي علاقة تكامل أم علاقة ازدواجية تتحكم فيها معايير ليست محددة ،أو هو نوع من لعبة تمارس على رؤوس الأشهاد باستخدام ألغاز تشفيرية تكون أحيانا معقدة وشاحبة كلون الحقيبة السوداء الذي ترافق رئيس الولايات المتحدة أنى حل أو ارتحل ،
لاأحد يعرف كنهها ولا أحد يمكن أن يتنبأ بمصيرها أو بدايتها، لأنها أشياء تخضع لحكم الزمان لالقانون أخرى ،وأحيانا تلبسها البيئة غطاء مزخرفا لايعرف ماهيته ولاجوهره لأنه يكون مزركشا بألوان عديدة كلها قابلة لتفسيرات وتأويلات لايحق لأحد أن يكون حكما وفيصلا فيها،
تلك علاقة الدين بالسياسة أو الدولة بالشريعة أوالعلاقة بين رجال السلطة ورجال الدين وهي علاقة متأرجحة طالما أرقت الباحثين وجعلت كثيرا من الثوار التقليديين والحداثيين يشنون هجومهم عليها في حال واحد معتقدين بأنهما شبحان لظل واحد غاية مايصبوان إليها هو تذليل الرقاب وقمع الأراء للإستيلاء على مقومات التقدم
رجال الدين ورجال السياسة مهما اختلفت الآراء ومهما تجاذبت العصور فقد شكلت تحالفهما نواة السلطات الدكتاتورية والقمعية على مدى التاريخ القديم اللهم إلا بضعة إشراقات جميلة في تاريخ البشرية كان العلماء فيها بحق موقعين عن رب العالمين.
وفِي التاريخ الحديث لعل أبرز الأحداث التي أرجعت الموضوع إلى الجدل تتلخص في أربعة أحداث جليلة تركت وأثرت تأثيرا عميقا في الخريطة العالمية وفِي التاريخ الانساني ونقشت بقوة في ذاكرة البشرية ألاوهي
١الثورة الصناعية التي انطلقت شرارتها الأولى في فرنسا وعمت بعدها جميع أنحاء البسيطة وكان لها آثار جليلة على جعل الحضارة الأوربية مهيمنة منذ تلك اللحظة إلى يومنا هذا وقد تكونت من مرحلتين كانت الأولى ثورة والثانية ثورة على الثورة المضادة للأولى وكان من أشهر عبارات أهلها (اقتلوا آخر ملك بآخر قسيس)ووراء هذه العبارات ماوراءها من دلالات تختزل التاريخ والواقع والمستقبل
٢-التحالف الذي حدث في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري بين محمد بن سعود وبين محمد بن عبد الوهاب مما أنتج لنا دولة سعودية نحن الآن في طورها الثالث.
٣-الثورة الفكرية التي ترجمها حسن البنّا في أطروحاته مما شكل جماعة الإخوان المسلمين الذين رفعوشعار (الاسلام هو الحل )
٤-الثورة الإيرانية في نهاية سبعينات القرن الماضي والتي كانت بقيادة آية الله الخميني والتي أنتجت دولة إيرانية انسلخت من ورثة شاه إيران وتبنت ولاية الفقيه
ولكل من هذه التجارب آثارها الإيجابية والسلبية كأية تجربة بشرية حينما يفهم في حدودها الزماني والمكاني بعيدا عن الأساطيرالمقدسة والتضخم المفرط أو مناصبة العداء لها
والسنغال بحكم كونها دولة ذات أغلبية مسلمة كان لابد أن يخضع لحكم الناموس الكوني وللقوانين التي عليها تمشي هذه الخريطة والعلاقة بين رجال الدين والسياسة أخذت طابعين مختلفين بحكم الزمان
فالأول كانت تحت حقبة استعمارية إمبريالية طبعت علاقتها بالدِّين بغضا وتنافرا شديدا مما عكست ذلك في طبيعة العلاقة بين الجانبين في محاربة وقتال أحيانا ومصالحة أحيانا وإقامة جبرية أحيانا وأحيانا موالاة تكون خيانة للدين والوطن كما هو معروف لكل من فتش أروقة التاريخ ،لكن قبل. ذلك كان هناك تجارب مشرقة جدا كدولة الأئمة في فوتا والامام مب جخ به
الثانية :بعد حصول الوطن على الاستقلال واستيلاء الرئيس سنغور على سدة الحكم ،حيث سعى إلى إقامة علاقة وطيدة مع زعماء الطرق الصوفيين الذي كانو يهيمنون على الساحة السنغالية آنذاك وقد مهدت له ذلك بأن يحكم البلاد عشرين سنة دون أي مقاومة كانت سيلقاها بحكم انتمائه الديني،خاصة بعدما نجح في شيطنة ممادوجاه وإبعاده عن الساحة السياسية،
إلا أن ذلك لم يحل بين الرجل وبين معارضة كانت تقض مضجعه بين الفينة والأخرى وتتمثل تلك الفئة في بعض كهول كانو ينتمون إلى البيوتات الدينية وقد جابوا بعض عواصم العالم وعرفوا بعض مايحاك للبلد من انسلاخ شبه تام عن هويتها الدينية فاستغلوا ثقلهم الاجتماعي للحيلولة بين ذلك وكان على رأسهم شيخ غايدي فاتم والشيخ تيجان سه المكتوم إلا أنهم اصطدموا بشعب كان بدائيا في ممارسة السياسة ككيان موحد يجمع بين ممالك قديمة لكل منها عاداتها وتقاليدها ،
والفئة الثانية التي ناصبت سنغور الاستعمار كانت تتمثل في بعض المستعربين الذين ضاقو ذرعا بالرجل كما ضاق بهم ذرعا
،خاصة بعد الحادثة الشهيرة التي تمثلت في إطلاق النار على الرئيس سنغور إبان تواجده في المسجد الكبير بدكار
وحالة سنغور تقريبا هو النمط الذي تواصل مع الرؤساء الذين تعاقبوا من بعده على سدة الحكم، مع زيادة تقليص لحجم المؤسسة الدينية في السياسة ونشوب مهاترات ومناوشات لبعض أفرادها مع رجال الحكم لمآرب مختلفة،
واليوم ونحن على عتبة الانتخابات البرلمانية الثالثة عشر في تاريخ السنغال والتي شهدت دخول عناصر جديدة في الساحة السنغالية يجدر بِنَا التنبيه إلى أن :
من يسمون برجال الدين مواطنون كغيرهم من السنغاليين لهم الحق في المشاركة في إدارة دفة البلاد وقيادتها على النحو الذي ترضي الشعوب متى ما رأوا في أنفسهم الأهلية،وليس لأحد أن يقصيهم من العملية الانتخابية فكما أن لهم حق التصويت فلهم حق الترشح والشعب هو من سيفصل في القضية ،فأي شعب يرضى بحكم مباشر لرجال الدين أو التنويرين أو الإسلاميين فله كامل الحرية في أن يدار بلده كما يراه من رشحه عبر صناديق الاقتراع،وإلا فما الفرق بينهم وبين المترشحين إن تخرجوا من نفس المدارس التي تخرج منهامنافسوهم ،كما أن تلك الحرية التي يتمتعون بها لايجوز لهم أن يحوّلوا ما بأيديهم من سلطات معنوية وتفويض شعبي إلى أدوات تجعل سلما ومطية نحو بلوغ غايات مشبوهة أو منافع دنيوية كما أن عليهم أن يخضعوا لقانون الغابة التي تحكم السياسة حاليا لأن المشاركة في اللعبة هي جزء من الإقرار بالقوانين المرسومة ولاشك أن ذلك سيكون سهلا على كل مشارك قادته نفسه وكفاءته وأهليته ورغبته الطامحة في دفع عجلة البلد إلى التقدم أما من شارك لغاية مشبوهة ونفع دنيوي يجنى من خيرات البلد فذاك امرؤ لاحرمة له أيا كان مظهره أو خطابه أو انتماؤه السياسي أو الديني.
وأخيرا ندعو الله أن يول علينا أصلحهم للحكم وأنفعهم للبلاد والعباد.

(*) باحث في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.