التيار الإصلاحي في المؤسسة الطرقية قواسم مشتركة وجسور واصلة

(*)  المفتش انجوغو امبكي صمب

إن المتابع للحركة العلمية والدعوية والتربوية لدى الطرق الصوفية والمؤسسات والعلماء المنتسبين إليها ، ليرقب فيها صحوة متنامية وتوجها نحو الإصلاح والتغيير من الداخل ، ويلحظ مظاهر تلك الصحوة في الخطاب الدعوي في المحاضرات والدروس والخطب والمواعظ ، وفي البرامج والأنشطة في المناسبات المختلفة مثل الموالد والذكريات وفي شهر رمضان وغيره ، وفي المواقف من بعض القضايا التي تهم الإسلام والمسلمين ، مثل الموقف من مشروع قانون المدارس القرآنية ، والإصلاحات الدستورية الأخيرة ، حتى لا تكاد تميز – في كثير من الأحيان – بين خطاباتهم وبرامجهم ومواقفهم وما يكون من ذلك من غيرهم من الدعاة والمصلحين من غير المنتسبين إلى الطرق ومؤسساتها .
ولا غرو في ذلك فأغلب هذا التيار الإصلاحي داخل المؤسسة الطرقية من خريجي الحلقات العلمية والمعاهد الشرعية في السنغال ، وبعضهم درسوا في جامعات الدول الإسلامية والعربية في المغرب العربي وفي شمال أفريقيا وفي الخليج .
وهذا التيار في الحقيقة هو الحلقة المتصلة بعهد الشيوخ الكبار ، والورثة الحقيقيين لمنهجهم وفكرهم ورسالتهم ، وعلى عاتقهم تربية الأتباع والمريدين وتوجيهم إلى الوسطية والاعتدال والبعد عن الإفراط والتفريط ، ويمثلون الأصوات المتعقلة التي تعبر عن مبادئ وتوجهات من ينتمون إليها من المشايخ والطرق ، قال تعالى { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } ( فاطر : 32 )
ويوجد هذا التيار الإصلاحي إن بدرجة أو بأخرى في كل طريقة من الطرق الصوفية ، وفي كل بيت من البيوتات الدينية ، وهم بمثابة همزة الوصل بين هذه الطرق والبيوتات وبين الجمعيات والحركات الإسلامية ، و بينها وبين السلطات الإدارية في كل ما يخص الشؤون العلمية والدينية ، وبينها وبين الدول والمنظمات الإسلامية في العالم الإسلامي .
وعلى الجمعيات والحركات الإسلامية أن تمد جسور التواصل مع هذا التيار وتتعاون مهم في الأعمال الدعوية والعلمية ونحوها دون الغلاة و المتشددين من العامة والخاصة الذين لا تتجاوز أنظارهم وهممهم وعلاقاتهم حدود الطرق والبيوتات التي ينتمون إليها.

ولاشك أن هناك بعض القواسم المشتركة التي تجمع بين الجمعيات والحركات الإسلامية والدعاة وبين التيار الاصلاحي في المؤسسة الطرقية .

قواسم مشتركة

ومن تلك القواسم المشتركة ما يلي :
1 – الخلفية الثقافية ، فكل من أعضاء الجمعيات والحركات الإسلامية والدعاة ومن التيار الإصلاحي في المؤسسة الطرقية من طلاب العلم الشرعي وحملة الثقافة الإسلامية والعربية ، بل ان بينهم زمالة علمية حيث المؤسسات التي تخرجوا فيها، او الفنون التي تخصصوا فيها .
2-العلاقات البينية .
تربط بين بعض أعضاء الجمعيات والحركات الإسلامية وبين التيار الاصلاحي انواع من العلاقات المتقاطعة ، كالعلاقة العلمية والتربوية بين طلاب علم وشيوخ معلمين ومربين ، والعلاقة الاجتماعية فإن بين بعضهم نسبا وصهرا ، والعلاقة الإدارية حيث يلتقون في بعض الأحيان في إدارات حكومية او مؤسسات أهلية ، ينظر منسوبيها إليهم جميعا بنظرة واحدة .
أضف إلى ذلك علاقة الجوار والمساكنة ، وذلك على مستوى الوطن والمنطقة والمدينة الواحدة
3- الهم الإصلاحي العام ، فكل من الجمعيات والحركات الإسلامية ومن التيار الإصلاحي في المؤسسة الطرقية في نظري من حملة المشروع الإصلاحي العام ومن الساعين للتغيير نحو الأفضل سواء في دوائر واسعة او في أخرى محدودة ، رغم وجود اختلافات منهجية ومسلكية بينهم لا يمكن تجاهلها .
4-وحدة المصير ،فإن أعداء الإسلام المتربصين يخططون ليل نهار للصد عن سبيل الله ، ويسعون لنشر الفساد بين الشعوب الإسلامية ، ولهم في ذلك أساليب وطرق مختلفة ، ومن اخطرها التحريش بين الطوائف الإسلامية وتصنيفهم إلى تيارات معتدلة ومتطرفة، وصلبة وناعمة، وحمائم وصقور ، كل ذلك من أجل إضعاف جماعة المسلمين وتمزيق وحدتهم .

جسور التواصل وفضاءات اللقاء
و هناك جسور للتواصل بين الجمعيات والحركات الإسلامية وبين التيار الإصلاحي في المؤسسة الطرقية وفضاءات متنوعة للقاء واللقاح، ولعل من أهم تلك الجسور والفضاءات ما يلي :
1-الحوارات المنظمة حول القضايا الشرعية والعلمية .
2-الزيارات المتبادلة بين أعضاء الجمعيات والحركات الإسلامية وبين المنتسبين إلى التيار الإصلاحي في المؤسسة الطرقية من أجل تقوية العلاقات وإزالة الحواجز الوهمية والمصطنعة .
3-الاشتراك في الأنشطة العلمية والثقافية من دورات وامسيات وملتقيات ، وتبادل الخبرات والقدرات من والى الطرفين .
4-تكوين جبهة موحدة من أجل الدفاع عن الثوابت الإسلامية وتعظيم الشعائر المقدسة ، ومحاربة التطرف والغلو ، تتوزع عضويات قيادتها وإدارتها بين الجمعيات والحركات الإسلامية وبين التيار الإصلاحي في المؤسسة الطرقية .
وأخيرا .
تلكم بعض الخواطر عن القواسم المشتركة والجسور الواصلة بين الجمعيات والحركات الإصلاحية وبين التيار الإصلاحي ، لم أنشط لكتابتها وتقييدها وحدي ، وكان الأحب إلى مشاركة الأفكار والرؤى مع اخواني في الله من الجمعيات والحركات الإسلامية ومن التيار الإصلاحي في المؤسسة الطرقية ، للتوصل الى صيغة موحدة تمثل التصور الأولى لتنظيم العلاقة بين مكونين كبيرين في المشهد العلمي والدعوي في وطننا الحبيب السنغال .
ونسأل الله تعالى ان يوفقنا لنا فيه خيري الدنيا والآخرة .

(*) باحث متخصص في الفكر الإسلامي والدعوة.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.