الإسلاميون من الدعوة إلى الدولة الإسلامية إلى المطالبة بالدولة المدنية (ذات المرجعية الاسلامية) تنازل أم تطور؟

(*) عبد القادر انجاي

 

ظهرت الحركات الإسلامية فى بلدان إسلامية كثيرة منذ بدايات القرن العشرين و نادت بالإصلاح و العودة إلى الحياة الإسلامية الصحيحة و رفعت شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية و الحل الاسلامي فى وجه مشروع التغريب من الاستعمار الأجنبي و الغزو الفكري الذى شنه على بلدان المسلمين. و ظل هناك جدل محتدم بين أطروحات الإسلاميين المتعلقة بالدولة الإسلامية المنشودة مثل مبادئ حاكمية الله تعالى و تطبيق الشريعة الاسلامية و إرجاع الخلافة الاسلامية و بين النظم السياسية الوافدة من الغرب كالدولة المدنية و ما تشمل من مبادئ الحرية و الديمقراطية و التعددية السياسية و حقوق الإنسان و الأقليات و التى قوبلت أكثرها بالرفض و التحفظ الشديد من الاسلاميين فى معظم الأحيان. إلى أن بدأ الأجيال الجديدة من الإسلاميين فى التعامل مع اللعبة الديمقراطية باسم الضرورة الإصلاحية و صولا إلى الدعوة الصريحة إلى الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية خصوصا فى فترة ما بعد الربيع العربي. و هو تطور لافت دفع موقع « وسطيون » إلى التحدث مع بعض الباحثين و الخبراء فى القضية الاسلامية و الجماعات العاملة لها للوقوف على أسبابه و آثاره و فيما إذا كان تنازلا عن الثوابت الشرعية أم تطورا فى الفكر السياسي لدى الإسلاميين أنضجته تطورات و متغيرات العصر؟
الباحث فى الفقه الإسلامي الشيخ محمد مصطفى جالو رأى أن هذا التحول يتطابق مع شمول الإسلام و مرونته و هو اجتهاد مقبول ينم عن نضج فى الرؤية و ليس تنازلا عن مبادئ الإسلام فقال:
لما كان الدين الإسلامي دين عالمي يمتد صلاحيته إلى قيام الساعة فإنه لا بد أن تكون له قواعد عامة يستطيع بها مواكبة التطورات والتغيرات التي تمر بها الحياة، كقاعدة العرف والواقع وجلب المصالح ودرء المفاسد، وقاعدة لا ينكر تغير الاحكام ( الاجتهادية والعرفية ) بتغير الأزمان والأحوال؛ ما يعطينا قناعة تامة أنه دين واقعي ومواكب لكل الحالات، فيبقى القول بأن الذين يطبقون هذه القواعد قد يقصر فهمهم لها، أو قد يخطئون في تطبيقها، أو يرون في ظرف زماني ما أن المصلحة في توطيد قاعدة: « مخالفة كل ما هو غير إسلامي » ، وذلك حفاظا على هوية المسلمين، وقد يرون في ظرف زماني آخر أن مصلحة حفظ الهوية الإسلامية في تقبل ما عند غير المسلمين من أمور الدنيا ولا تتعارض مع الثوابت، و أضاف:
فهنا الإسلاميون يعتبر تصرفهم ذلك نضج وتطور، لأن الميسور المستطاع لا يسقط بالمعسور الذي لا يستطاع.

من جانبه رأى الباحث فى مقاصد الشريعة الأستاذ محمد الفاضل جوب أن طبيعة السياسة المتفيرة و فق الظروف المختلفة تبرر هذا التوجه لمواكبة تغيرات العصر. و دعا إلى فرز هذه النظم السياسية و اختيار ما يتوافق مع الإسلام منها و طرح ما سواه فقال:

هذا التحول لا يعنى أن هناك تنازلاٍ أو تخاذلا أمام الغرب، وإنما هو من باب التطور ومواكبة ركب الحياة، لأن المسائل السياسية مسائل متغيرة ومتجددة طبق المقصد الشرعي والمنفعة الإنسانية التي تسعى لتحقيقها، خلاف المسائل العقدية أو الفقهية. مثلاً، فالسياسة ونظرياتها قضايا متغيرة لشدة ارتباطها بالحياة التي لا تثبتُ على نمطٍ واحد، ففتوى الإمام ابن تيمية أو الإمام حسن البنا مثلاً عن القضايا العقدية أو الفقهية لا تتغير رغم تغير الأزمنة والأمكنة، أما آرائهما عن السياسة قد لا تعود سارية المفعول في زمن معين أو مكان معينٍ، ذلك لأن الظروف السياسية في تلك الحقبة قد تتغير رأساً على عقبٍ من زمن إلى آخر. فالعبرة في السياسة تحقيقها لمصالح العباد والمقاصد الشرعية الكلية، و أضاف قائلا:
وما يسمى بالدولة المدنية عبارة عن نظريات وآراء وضعها قومٌ معينون لتنظيم طريقة سير الحياة عندهم، فليس بالضرورة لما نستفيد من هذه الآراء أن نأخذها بالجملة وكأنها وحيٌ نزل من السماء، بل نستفيد مما لا يخالف مع مبادئ الإسلام ويحقق مصالح العباد، فمن الديموقراطية ما لا ينافي مبادئ الإسلام ومنها ما يعارضُ كليا مبادئه، وكذلك في الحرية والتعددية وحق الأقليات وغيرها.
وعليه، فأنا أرى أن القضية قضية تطور وإعادة النظر إلى المسائل السياسية وليس التنازل أو التخاذل.

و ردا على سؤالنا له عن الأسباب التى دفعت بالإسلاميين إلى هذا التحول قال الكاتب الدكتور موسى فال:
هذا التحول من الإسلاميين جاء بعد دراسة الواقع و الاستفادة من بعض التجارب المريرة على مستوى العالم. و من أهم أسبابه تكالب القوى الغربية اليسارية منها و اليمينية على المشروع الإسلامي المعاصر. لنأخذ مثالا بما بما جرى فى الجزائر فى مطلع التسعينات من القرن الماضى حيث اكتسحت جبهة الإنقاذ الذى يحمل مشروعا إسلاميا الانتخابات بقيادة الشيخ عباس المدني و الأستاذ بلحاج و تم التآمر عليها و إجهاض مشروعها بكل مرارة. و فى أفغانستان رأينا كيف تم التعامل معها رغم تحفظاتنا على طبيعة الدولة التى كان يريد طالبان إقامتها. و رأينا فى السودان محاولة الإجهاض على المشروع الإسلامي الذى كان يحمله الشيخ حسن الترابي رحمه الله تعالى. و نفس الشيئ حدث فى تونس و ليبيا و مصر حيث تم الانقلاب على حكم الإخوان كما نعرف جميعا. هذا الواقع فرض على الإسلاميين تغيير استراتيجياتهم إلى هذا التحول اليوم و هو تطور فى حقيقة الأمر و ليس تنازلا.
و نفى الدكتور موسى فال أي مخاوف من هذا التحول قائلا:
ليس هناك أي تخوف من هذا التحول لأنه تحول مدروس جاء بعد مراجعات للواقع و دراسة لمنطق السياسة الشرعية و مقاصد الشريعة.

من جانبه راى الباحث و وزير الشئون الدينية السابق محمد بامبا انجاي أن هذا التحول طبيعي و ضروري و شدد على ضرورة دراسة و إدارة هذا التحول بدقة فقال:
إن في الإسلام ثوابت ومتغيرات، و هذا في نظري سنة ربانية و عليه فاعادة الخلافة الإسلامية تحتاج إلى تنظير المنهج و تقويم التطبيق على مرور الزمن. مما يعني أنه لا يوجد في الأرض منهج متكامل وثابت لا يتغير ولا يتجدد. لكن التغيير والتجديد يحتاج دائما إلى استعمال العقل والتفكير والانطلاق من الواقع المعاش؛ وهذه مشكلة كبيرة عند الإسلاميينن. و أضاف:
رى أن التطور ضرورة ملحة بل سنة ربانية.ويبقى أن نعرف كيف يتم هذا التطور؟
و حول سؤالنا له عن احتمال وجود محاذير أم لا من هذا التحول قال الوزير: المخاوف والمحاذير إزاء الاتجاه الجديد الذي سلكه الإسلاميون أعتقد أنها منطقية لأنها شبه مغامرة. لكني أرى أنه إتجاه صحيح ونوع من التكيف مع الواقع الجيواستراتيجي حيث أن العدو الخارجي الذي يهيمن على كثير من الفضاءات يعمل دوما من أجل إفشال خطة التغيير الإسلامي.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.