الإمام علي بدر اندو.. الشهيد الحي الخالد

ودع الشعب السنغالي و الأمة الإسلامية ابنا من أبناءهما الأبرار و علما من أعلامهما الأفذاذ و رجلا من رجالهما الأبطال، الإمام علي بدر اندوا الذي عاش للإسلام و بالإسلام و احتمل في سبيل الله صنوفا من العذاب و التنكيل، فشوهت صورته، و سجن ظلما و عدوانا، و مورس عليه التعذيب الجسدي و النفسي، و منع من تشييد كتابه، و نكل في ابنه بسجنه بتهم مفبركة، حتى لقي ربه و هو شامخ الرأس مرتفع الهامة فلم يرضخ و لم يبدل: (﴿مِنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَما بَدَّلوا تَبديلًا﴾ [الأحزاب: 23]

لقد سجل الإمام علي بدر اندو اسمه في سجل المناضلين الأبطال الذين يتباهى بهم شعبنا و يقتدي بهم الأجيال المتلاحقة في الثبات و الصمود و العزة و النضال لأجل التحرر من كافة أشكال القهر و الاستعباد إلى جانب إخوانه سيدي الأمين انياس، محيي الدين صامبا جالو… و غيرهم من المناضلين الأبطال، رحمهم الله جميعا.

نعزي في رحيلك شهيدنا البطل العلم الذي خضت في بحاره و تنزهت في حدائقه و قطفت من شتى ثماره؛ فزاوجت علم الشرع بفهم الواقع، و الثقافة الإسلامية بالثقافة العصرية، و اللغة العربية باللغة الفرنسية، حتى إذا تكلمت أنصت الفقيه و الفيلسوف و السياسي و الصحفي و تملكهم الذهول.

نعزي في رحيلك الزهد الذي كنت ظلا له ماشيا و صورة له شاخصة؛ فعشت قانعا بالكفاف بسيطا في كل شيء، في مسكنك و ملبسك و مركبك… و لقد و الله كنت تعرف الطريق إلى البيوت الفارهة و السيارات الجميلة و الألبسة الفاخرة و الحسابات البنكية المملوءة بالنقود، و لديك ما يكفي من المعرفة و الثقافة و طلاقة اللسان لاكتساب الدنيا منها و العيش كالملوك لكنك فضلت الآخرة على الدنيا و المبدأ على المصلحة و الشرف على المال.

نعزي في رحيلك الثبات الذي كنت مثالا خارقا له؛ فشهر بك و سجنت و عذبت و نكل بك و بأهلك و ضويقت في مشاريعك، فلم يزدك ذلك كله إلا إصرارا على التمسك بالحق و الصدع به حتى آخر رمق من حياتك المباركة.

نعزي في رحيلك الوحدة و الأخوة الإسلامية إذ عملت لهما بجد و سعيت إلى تحقيقهما بإخلاص و تمثلتهما في فكرك و سلوكك. و حشدت للقضايا الإسلامية كل المسلمين محطما حواجز الطريقة و الحركة، حتى إذا استشهدت بكى السلفي و الصوفي و المريدي و القادري على رحيلك المحزن، و وقفوا معا للصلاة عليك و تشييع جنازتك. بل بكى عليك المسلم و غير المسلم إذ كنت تحمل هم الشعب السنغالي المقهور بجميع مكوناته.

لقد فقد العلم و الزهد و الثبات و الزهد و الأخوة برحيلك أحد رجالها الأفذاذ و جندها الأبطال الذين ندر أمثالهم و صعب خلافتهم.

فلقد أتعبت من بعدك بمواهبك الجمة و فضائلك العظمى إذ اجتمع فيك ما تشتت في آلاف البشر؛ فجمعت بين علم العالمين و ورع العابدين و زهد العارفين و رقة القراء و نباهة المفكرين و إشراقة المثقفين و فطنة الحكماء و فصاحة البلغاء و شجاعة الثوار و التزام المناضلين الأبطال.

فلو كان العمل لدين الله عز و جل و خدمة عباده يبقى على قيد الحياة لما مت، و لما مات رسول الله -صلى الله عليه و سلم- و أصحابه الكرام و من تبعهم بإحسان -رضي الله عنهم جميعا- و لكنه الموت لا يميز بين طيب و شرير أو بين مصلح و مفسد.

لترق روحك الطيبة إلى الرفيق الأعلى بجانب النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين.

فلم تعش ككل البشر ما يكفي لتبقى حيا في عالم الأجسام لكنك عملت ما يكفي لتبقى حيا في ذاكرة التاريخ و خالدا في عالم الأرواح و الأفكار و الأخلاق.

عبد القادر عبد الرزاق انجاي

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.