أضواء على الأحداث ……حوار مع القيادي في جماعة عباد الرحمن شيخ تيجان فال

(*)  وحدة التحرير

أضواء على الأحداث

مقدم البرنامج: الصحفي محمد منصور انجاي

ضيف البرنامج: المفتش شيخ تيجان فال القيادي بجماعة عباد الرحمان

نبذة عن ضيف البرنامج:

المفتش شيخ تيجان فال:

هو الداعية والحركي النشط والقيادي البارز بجماعة عباد الرحمان ومدير إدارة الشراكة فيها.

 النشأة والمسيرة العلمية

-نشأ في السنغال ودرس فيها المرحلة الابتدائية والإعدادية.

-درس المرحلة الثانوية في المركز اللإسلامي الإفريقي (جامعة أفريقيا العالمية حاليا) في الخرطوم ، السودان.

-التحق بجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان في كلية الآداب قسم الصحافة والإعلام.

الحياة المهنية

-عمل أستاذا في ثانوية (دولافوس) بدكار.

– مفتش التعليم العربي منذ عام 2001 م.

– مكون في المركز الإقليمي لتكوين منسوبي التربية في اتياس

الحياة الدعوية

– عضو في جماعة عباد الرحمان ومدير إدارة الشراكة فيها.

– شارك باسم جماعة عباد الرحمان في العديد من اللقاءات المحلية والدولية.

محاور الحوار

 

 المحور الأول: قضايا الحركة الاسلامية

  • لقد خرجت الجماعة من مؤتمرها الحادي عشر في منتصف شهر يناير كانون الثاني الماضي وسط احتفاء كبير بها من أنصار الحركة ماهي أهم إفرازات ونتائج المؤتمر؟
  • هل يمكن أن نتصور رؤية وسياسات جديدة للجماعة تجاه ملفات مثل: العمل السياسي، الإعلام، تطوير الخطاب الدعوي بمناسبة انتخابها قيادة جديدة وماهي أبرز معالمها؟
  • هناك أخبار متداولة تفيد بإقدام الجماعة على إنشاء حزب سياسي تابع لها ما مدى صحة هذه الأخبار؟ وما ذا يمكن أن نتأكد منه بخصوص هذا الأمر؟
  • الحركة الإسلامية عموما تعاني من شح الموارد المالية الضرورية لتحقيق أهدافها الكبرى ويرجع بعض المراقبين ذلك إلى فقدان الرؤية الاقتصادية فيها ماهي الحلول الناجعة لتحقيق الاكتفاء المالي الذاتي ونفوذ اقتصادي قوي للحركة الإسلامية؟

 المحور الثاني: القضايا الوطنية

كيف تقرأ خسارة الأستاذ عبد الله باتشيلي المرشح السنغالي في رئاسة المفوضية الإفريقية وما هي أسبابها ودلالاتها؟

هناك حملة قضائية ضد أنصار السيد خليفة صال ويري بعض المراقبين أنها مسيسة ما تعليقك عليها؟

الحوار

السؤال الأول:

لقد خرجت الجماعة من مؤتمرها الحادي عشر في منتصف شهر يناير كانون الثاني الماضي وسط احتفاء كبير بها من أنصار الحركة ماهي أهم إفرازات ونتائج المؤتمر؟

السلام عليكم ورحمة الله أحيي جميع الإخوة في مجموعة وسطيون وخارجها ممن تسنَّت لهم الفرصة متابعتنا، وأشكركم بهذه المناسبة، طبعاً كما قلت فإن الجماعة قامت بعقد مؤتمرها الحادي عشر في يناير الماضي، ومعلومٌ أن المؤتمر لحظاتٌ يقوم بها المرء للتقييم والمشاورة والتغيير إذا لزم الأمر، وقد تم فعلاً حضور450 مندوبًا من جميع الأقاليم. ورجوعاً إلى سؤلك يمكن القول بأن الجماعة نجحت في تجديد قياداتها بشكلٍ نزيهٍ وبكل شفافية مبنيٍّ على الشورى، واستغرق ذلك مدة طويلة، فلقد تم أولاً تكوين لجنة تحضيرية منذ 8 أشهر قبل المؤتمر، فقامت اللجنة بالتنسيق مع قاعة الجماعة وتفاعلت معهم إلى أن وصلنا إلى هذه النتيجة بصورة ديموقراطية، كما أن المؤتمر كان فرصةً لتجديد المبادئ، فكل الأعضاء تفاعلوا مع المؤتمر ورضوا بالقيادة الجديدة، ورضوا أيضا بطريقة توسيع مجال المشورة مع المندوبين الذين جاؤوا من أبعد المناطق في السنغال، من الجنوب مثلا (كولدا وسيجو) فشاركوا بكل شفافية، واستمعنا لآرائهم وهذا سيعطي انطلاقة جديدة في عمل الجماعة، انطلاقة ستعتمد على عزم جميع الأعضاء للاستجابة للتحديات الجديدة، لأننا مازلنا في مرحلة إصلاحات بدأناها منذ 2012م، وسيمضي لحد 2020م وقد أنجزنا سوطاً منها، وعلى كلٍّ فالجماعة أثبتت وجودها مع إمكانية التغيير في الكيفيات ونوع العمل.

السؤال الثاني:

 تبنت الجماعة في مؤتمرها الأخير شعاراً ملفتاً للنظر هو “بمزيد من التدين والعمل، نحقق السلام والتنمية” فلماذا اختارت الجماعة هذا الشعار؟

شكرا لك على طرح السؤال، كما تعرف إن الجماعة تريد التناسق في جميع حركاتها، لو لاحظت تجد أنه في المؤتمر العاشر كان الشعار(بالتدين نواجه معا التحديات ونبني المستقبل) ولما جئنا في المؤتمر الحادي العاشر ومادام النهج الإصلاحي بدأ منذ 2012م نحو 2020م فمن غير العقول أن نتبنى شعاراً معارضا للشعار السابق أو شعاراً لا يتناسق مع نفس الاتجاه؛ ولذا قلنا (بمزيد من التدين والعمل، نحقق السلام والتنمية) فالتدين اعتقاد لكنه يظهر في أعمال الإنسان، ومن هنا ننطلق لنعرف بأن الإيمان هو منطلق أي عملٍ بشريٍّ ففي القرآن نجد دائما عبارة  “آمنوا وعملوا الصالحات….”  وهذا ما يسمح لنا بتعزيز السلام، فبالسلام فقط يمكن إحداث قفزات نحو التنمية، وبدونه فلا معنى للتنمية، وسر بقاء كل رسالة في الأرض وانتشارها في السلام لا غير؛ ولهذا نعتبر ما حدث استمرارية للمؤتمرات السابقة إلى حد 2020م لتحقيق الإصلاح المرجو، علماً بأننا بعدما حققنا أشياء في هذا المجال؛ رأينا بأنه يجب أن نستمر على نفس المنوال، فقلنا بأن السرّ في التدين، وعزمنا على العمل  لإنمائه لأن المسلم يجب أن يكون محرّكه الأول الإيمان والعقيدة الصحيحة، ووجدنا أيضا أن الشعار استجاب للسياق المحلي والإقليمي والدولي، لأن مشكلتنا حالياً مشكلة أمنية بالدرجة الأولى، فهناك العديد من أعمال العنف حولنا، كما نجدها في (مالي) على سبيل المثال، فإذاً الشعار متّصلٌ بما بعده ومتكيّفٌ مع السياق العام.

أما التنمية فالمقصود بها تنمية الإنسان بذاته، لأن الإنسان هو محور التنمية، وإذا نجحنا في بناء الإنسان بناء متزنا مع قيم الوسطية دون تطرف، فيعني ذلك أننا نجحنا في بناء عامل أساسي من عوامل التنمية، وهذا من منطلقاتنا الأساسية.

السؤال الثالث:

هل يمكن أن نتصور رؤية وسياسات جديدة للجماعة تجاه ملفات مثل: العمل السياسي، الإعلام، تطوير الخطاب الدعوي بمناسبة انتخابها قيادة جديدة وماهي أبرز معالمها؟

عندما نغير أحدا لا يعني أنه ليس له كفاءة، فقد قام الأمير السابق بجهودٍ مشكورة، من منطلق معرفتها بالجماعة كعضو مؤسس فيها وأعني به الأستاذ (سرين بابو)، وكوننا أعطينا ثقة لآخر لإمارة الجماعة فذلك يفسر الرجاء الكبير بأنه سيكون قديرا من الانطلاقة من النقطة الحالية إلى نقطة جديدة إلى الامام، وهذا من الرؤية الشخصية للقائد ولكن يتم ذلك في إطار الرؤية العامة للجماعة؛ لأن الجماعة حددت رؤيتها وهي ثابتة، ولذا فالأمير الجديد سيكون له إضافة جديدة على الرؤية العامة للجماعة إذاً، فالإضافات الشخصية دائما تظهر لتشكِّل سياسات جديدة، ولما قمنا بمراجعاتنا الداخلية عرضنا موضوع الإعلام، فهو موضوعٌ خصصت له الجماعة أهمية خاصة وحددته بنفسها، ولذا إذا وجدنا بأن هناك قصوراً نوعاً ما، فسننتظر من الأمير الجديد أن يأتي بإضافات جديدة في الأمر، علماً بأن هناك جهودا سابقة،  ففي الدورة الأخيرة مثلا كان الموقع نشطاً إلى حد كبير، فهذه خطوة يحتاج إلى دفع إلى الأمام.

أما فيما يخص الخطاب الدعوي فمن مبادئ الجماعة أن أي عمل يجب أن يكون مبنيا على دراسة، ليس فقط في المجال السابق (الإعلام) ولكن أيضا في المجالات الأخرى، إذا فالرؤية موجودة والجماعة تؤمن بالمرحلية والتدرج حتى في اختيار أعضائها، يمكن أن نلاحظ أن الأمير (عبد الله لام) ليس من الجيل الأسبق ولكن بجانبه من كانوا في ذاك الجيل، وآخر من الجيل الجديد، ولعله حكمة قصدها الناخبون، وكل هؤلاء عاشوا تجارب الجماعة، وكان هذا تفسير للحكمة القائلة (أول الجديد هو قطر القديم بحثا) إذا فالمراجعة مطلوبة في مجالات عدة، مثلا في المرأة والعمل الاجتماعي وغيرها مما ذكرت، للوصول إلى رؤية واضحة، تتفق مع التوجهات والمبادئ العامة للجماعة، فالجماعة جماعةٌ دعوية وهذا هو المكتوب في مبادئنا العامة، إذا نرجو من القيادة الجديدة أن تخطو خطوة نحو تحقيق الإصلاحات المنتظرة.

السؤال الرابع:

هناك أخبار متداولة تفيد بإقدام الجماعة على إنشاء حزب سياسي تابع لها ما مدى صحة هذه الأخبار وما ذا يمكن أن نتأكد منه بخصوص هذا الأمر؟

أعتقد أن الجماعة منذ أن نشأت تعاطت مع السياسة بطريقتها الخاصة،  وكل مسألة تهم الشعب تحدد الجماعة موقفها بصفة واضحة، وموقف الجماعة تجاه العلمانية واضحة وصريحة وظهر ذلك أثناء الجلسات الوطنية الماضية حيث كانت الجماعة مشاركة فيها، وقدمت مكتوباً ترفض فيه العلمانية، والجماعة في الناحية السياسية مكتوبٌ في رخصتها أنها جماعة دعوية غير سياسية، ولكن مع ذلك فليس هناك ما يمنع من المشاركة في حركة المجتمع، وفي كل ما يجلب لهم المنفعة أو يدفع لهم المضرة بالطريقة التي يرونها مناسبا، فهذا لا يتنافى مع قولنا بأن الجماعة غير سياسية، اللهم إذا أردنا بالسياسة المعنى العام، إضافة إلى أن اهتمامات الجماعة هي نفسها اهتمامات السياسيين، كالتربية والصحة والاقتصاد، فبهذا المعنى يمكن القول بأن الجماعة اهتمت بالسياسة وإن لم تكن من أولوياتها، والآن مادامت للجماعة رخصة معترفة بها فهذا لا يمنع من أن تتعاون مع السياسيين فيما تراه نفعا للسنغال بحكم كونها مجتمعا مدنيا، أحيانا تشارك في الانتخابات بالتعاون مع الساسة، علما بأن الجماعة تركت الدعم السياسي ولكنها تدفع بأعضائها للمشاركة في المجالس المحلية باسم المجتمع المدني على شكل تحالفات، وهذا لا يتنافى مع الدستور، مما أثمرت نتائج مهمة، فالجماعة في انتخابات 2009م شاركت بشكل مباشر لأول مرة، وفي 2014م أيضا شاركت ووجدت أعضاء في مجالس الحكم المحلي، بل وجدت رئيس بلدية، ورئيس لجنة.

أما ما قيل من أن الجماعة أنشأت حزبا سياسيا فيحتاج إلى توضيح؛ إذ يمكن للإنسان أن ينضم في حركة ثم ينشئ حزبا سياسيا وهذا موجود بطبيعة الحال، إذا فليس هي التي أنشأت الحزب بذاتها، ولكن الحزب يضم أعضاء خارج الجماعة، وهذا حق لنا كمواطنين لهم رؤية في سياسة بلدهم، ولكن لا يمكن القول بأن الجماعة أنشأت حزبا، ولهذا مبرر مُفصَّل في وثيقة خاصة بعنوان ” التمييز بين الدعوي والسياسي في عمل الجماعة ” فهذا ليس تفريقا، بل الجماعة تؤمن بالشمولية الإسلامية وهذا لا يتماشى مع تجزئة الإسلام وحصره في المسجد فقط دون السياسة، وتؤمن بأنها إن لم تمارسها كجماعة فللأعضاء أن يمارسوها لتقديم إصلاحات لوطنهم دون عنف أو إكراه، لأن السياسة عملية إقناع وتبادل آراء مع الناس.

السؤال الخامس:

نرى هناك أحزابا موجودة في السنغال تتفق مع الجماعة في الأهداف والرؤى والمبادئ فهل نعتبر هذا عاملا قد يضعف عمل الحركات الإسلامية بصفة عامة؟ أم يمكن أن نتصور في المستقبل تحالفا سياسيا بين هذه الأحزاب ذات المرجعة الدينية؟ .

لا بد من توضيح شيء فالأحزاب السياسية في البلد لا يمكن أن يكون الدين أو العرق مرجعها؛ فهي مُلْزَمَة باحترام هذه النصوص، على أن لكل واحد قناعته التي قد تلتزم بمبادئ الدين، وربما سنصل إلى يوم ما تكون للأحزاب مرجعية دينية كما هو موجود في بعض الدول الأوروبية، ولذلك أقول من صميم اعتقادي أن الرؤية الغربية لا تستطيع أن تقود أوطاننا؛ لأن الحقائق تختلف تماما، ولذا آن الأوان للسنغاليين أن يراجعوا نوع الحكم الذي يلتزمون به، فلا أرى أن العلمانية هي السبب في الاستقرار الذي تتمتع بها السنغال كما يقول البعض، بل الفضل في ذلك يرجع إلى الدين ذاته.

ولنعلم أيضا أن للسنغال تاريخ طويل بدأ ما قبل الاستقلال، ووجدت لها مبادئ أغلبها لا يتنافى مع الدين، وأعتقد أنه يجب الرجوع إلى هذه المبادئ التي سبقت مجيء المستعمر، فالمستعمر وجد في السنغال الدين وهذا ما جعله مضطراً للتعاون مع مترجمين للتواصل مع الناس، لذلك أقول بأنه يوجد ملتزمون بمبادئ إسلامية في الحزب، ولكن الحزب بحد ذاته لا يمكن أن يكون له هذا التوجه ولكن يمكن أن يلتزم بالقيم الوطنية التي لا تناقض مع الدستور، ولا يعني ذلك أننا راضون بكل ما في الدستور، فهو بحاجة إلى إصلاحات وإفساح المجال للجميع، فلا يجب أن نظن بأن رجل الدين في معزل عن الحياة بل الدين نزل لإصلاح الأرض كما نجده في القرآن، فالأنبياء أرسلوا لإصلاح الأرض والإصلاح لا يخرج عن معنى السياسة، وهذه الرسالة لا يجب أن نحرمها على أحد، فالأنبياء كانوا يحكمون دولاً بمعنى الكلمة، ووجدت عندهم ولاةٌ ووزاراتٌ وجيوش، ولذا لا يمكن حظر ذلك اليوم، فنرجو أن يتغير ذلك في أقرب الآجال.

ولكن حاليا يمكن القول بأنه توجد أحزاب تضم زعماء معروفين بالتدين، ومع ذلك لا يمكن القول بأنها أحزاب إسلامية، وأومن بوجود قيم مشتركة وإن كانت المنطلقات مختلفة أحيانا، فالذي ينفق ماله في سبيل الله أملا في تنمية وطنه من منطلق إسلامي، يختلف عن يفعله من منطلق آخر غير إسلامي، ولكن نجد أن القواسم المشتركة بيننا كثيرة، ولذا من غير الوارد حظر حزب يؤمن بمبادئ العلمانية ولكن له قيم تجعله يتحالف مع من لا يؤمن بتلك المبادئ العلمانية، وإن كان متحركا داخل السياق العلماني للعمل معا لنهضة البلد، فالإصلاحات التي تنتظر منا عملا لا يمكن أن تتحقق بين عشية وضحاها، ولكن عمل من جيل إلى جيل، حتى يقتنع المواطن بأن التغيير ليس منحصرا بالجيل الموجود حاليا، وهذا ما بدأ يظهر حاليا، فالمواطنون يتطلعون إلى جيل سياسي جديد بدل البقاء على وعود بإصلاحات جديدة مجردة ومتكررة، وهي في الحقيقة مجرد تبادل في الأدوار ليس إلا،  فالسنغاليون ملُّوا من هذا التوجه، والواقع يُحتّم علينا أن نقوم بالنقد الذاتي الجاد؛ لنسلك المنهج الصحيح، وهذا بغض النظر عن ميول القوى السياسية هل هم رجال دين أم لا ؟ وفي اعتقادي الشخصي أن أغلبهم متدينون، فمن الضرورة النظر في الأسس التي نبني عليها سياساتنا، لتكون منسجمةً مع مصالح المواطنين السنغاليين، والأولوية في ذلك تقع على الذين يجتمعون على مبادئ مشتركة، كي يتحالفوا في نضال واحد، لأن البلد مهما كان لا يخلو من مخلصين له، والعمل الجماعي هو الذي يُمَكِّنَنا من تقييم أنفسنا للوصول إلى المصلحة العامة للسنغال، بدل البقاء جامدا على شيء واحد، ويمكن أن أضرب مثلا في ذلك على عملة -سيفا- التي مازالت نقاشا ساخنا في هل نستمر في تبنيها أم لا ؟ وفي تصوُّري هذه مسائل يجب أن تبقى على طاولة النقاش للتداول فيها وللوقوف على إيجابياتها وسلباتها، ويصدق كذلك على مسألة العلمانية في تداولاتنا السياسية لنعرف ماذا أفادت السنغال.

والسياسة في نظري بحاجة إلى رؤية جديدة حتى إذا تكلمنا من منطلق ديني، فبدل أن نكون إمعة أو ورقة مستخدمة، قد يصل الأمر إلى محاولة شراء الضمائر ولا أدري مدى إمكانية ذلك، ولكن نعلم أن محاولات السياسيين تجاه رجال الدين تكمن فقط في البحث عن الأصوات، وبعدما يتربعون في سدة الحكم يعلم الداعمون لهم أنهم لا يسهرون على مصالح السنغال المتمثلة في الاستقرار والأخلاق والعمل والتربية والقيم.

السؤال السادس:

الحركة الإسلامية عموما تعاني من شح الموارد المالية الضرورية لتحقيق أهدافها الكبرى ويرجع بعض المراقبين ذلك إلى فقدان الرؤية الاقتصادية فيها، فماهي الحلول الناجعة لتحقيق الاكتفاء المالي الذاتي ونفوذ اقتصادي قوي للحركة الإسلامية؟

أقتنع جدا بجدوى هذا السؤال، فالواقع أنه لا يمكن لأي حركة تريد النجاح أن تغض الطرف عن التمويل، وأعترف أيضا أن هذا نقطة ضعف للعاملين في الحركات الإسلامية وبالأخص في الجماعة، وأرى بأنه قضية وجدت اهتماما عند البعض وتقديم مقترحات بشأنها، كنت ذكرت التقرير التشخيصي الذي قامت به الجماعة أثناء مؤتمرها العاشر، وقد شمل التقرير المشاكل التي تعاني منها الحركة من الناحية التمويلية، وخرجنا بخطة إستراتيجية تمتد من 2012م إلى 2020م، ومن توصيات هذا التقرير ما يتعلق بجوانب التمويل، لأننا نحمل هم مساعدة المواطن في معيشته وصحته، ولهذا علاقة بما قامت به الجماعة من ناحية التربية والعمل الاجتماعي والصحي، فقد حاولت الجماعة القيام بإنشاء مؤسسات صحية في السنغال، وبديهي أن القيام بهذا يحتاج إلى مصادر تمويلية كاملة.

وحتى مؤسساتنا الصحية نجد أنها من أقل المؤسسات الصحية في نسبة الاستقبال، ويظهر ذلك جليا في المستشفى الموجود في (يمبل) ولاشك أن الجانب الاجتماعي – في الجماعة – أثر في الجانب الاقتصادي ومع ذلك يتحسن إلى حد ما، علما بأن الجماعة لا تتقاضى شيئا من تلك المؤسسات، وهذا من أجل دعمهم ودعم بقية المؤسسات، ولذا فالمجلس الإداري للمؤسسات الصحية في الجماعة، وما تخرج منه من ربح يتم صرفه في بقية المؤسسات، كما تم فعلا مع المستشفى الموجود في (امبور) فبدأ الآن يشتغل مع أنه كان متوقفا بسبب عجز مالي.

ولكن الجماعة كمؤسسة لا تأخذ شيئا من تلك المؤسسات الصحية لأنها تتمنى لهم استقلالا اقتصاديا حتى تخدم الشعب، مع أني لا أومن بأن الجماعة يجب أن تسعى إلى الكسب، ولكن مادام يوجد في الجماعة رجال أعمال وأغنياء، فلا مانع من أن نتبع وسيلة يمكن من خلالها أن نجمعهم على إطار معين حتى يدعموا الجماعة، هذا بالإضافة إلى مشاركات الأعضاء، وإننا بذلك سوف نصل إلى نتيجة إيجابية في عمل الجماعة

والذي نتأسف له هو أننا وجدنا حكوماتنا فضلت ترك الجماعات الحركية تعتمد فقط على نفسها، في حين كان ينبغي للحكومة مساندة هذه الحركات سواء في المجال التربوي والصحي والتكويني، ولا يعني ذلك أن تضع لهم شروطا، بل على أساس أنهم مواطنون في البلد يتمتعون بحق المشاركة ما داموا ملتزمين بما لا يتعارض مع القانون.

مثلا لو زُرْت أحد مستشفيات الجماعة تجد معاملات مختلفة عن الآخرين، سواء على مستوى اللباس أو الاستقبال، وغاية الجماعة في ذلك هي أن تعطي أنموذجا حسنا للآخرين، ففي تصوري كان على الحكومة أن تحاول نقل هذه التجربة إلى بقية المؤسسات الصحية في البلد، وأعتقد يقينا أن عدم وجود الحركات الإسلامية  – بما فيها جماعة عباد الرحمن – في السنغال خسارة كبيرة للسنغال؛ لأنها أصلحت أناسا كثيرين كان يقتضي وقوف الجماعة معها لضمان استمراريتها.

وأؤكد مجددا أن مستوى التمويل في الحركات الإسلامية ضعيفة، الأمر الذي عرقل الكثير من المشاريع، ونحن حاليا نفكر في ذلك كما في التقرير الذي أشرت إليه آنفا لننظر في سبل تحسين الوضع وفق هذا الإطار.

السؤال السابع:

كيف تقرأ خسارة الأستاذ عبد الله باتشيلي المرشح السنغالي في رئاسة المفوضية الإفريقية وما هي أسبابها ودلالاتها؟

فهذا السؤال هو حديث الساعة، ولكن هل مرشح السنغال نفسه هو المرشح لـ “CEDEAO” بحد ذاتها؟ لأنه لوكان فعلا مرشحا لدول “CEDEAO” لصوتوا له،

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الدور الذي تلعبه (تشاد) على المستوى الإقليمي، مثل تدخلها في (كاميرون) و(مالي)، وأيضا دورها التاريخي منذ (حسين حبري) رغم الجدل المثار حوله ثم محاكمته بسبب مصالح فرنسا تحت ذريعة حقوق الإنسان، مع أني لا أزكيه، لكن من المعلوم أن وقفته الجادة في استغلال بترول (تشاد) رافضا السيطرة الأجنبية عليها، كان من الدوافع الأساسية في تسليط (إدريس ديبي) عليه لإسقاطه، إذا يمكن القول أن (تشاد) نجحت في دبلوماسيتها.

وفيما يتعلق بـ(عبد الله باتشيلي) يجب أن نعرف هل ترشح بنفسه؟ أم الدولة هي التي رشحته؟ فهذه أسئلة يجب طرحها، فالمرشح من قبل الدولة يجب دراسة ملفه في كل الجوانب، لنعلم فعلا دوره، وما الذي يجعله مستحقاًّ لإدارة مفوضية الاتحاد الإفريقي؟، فأعتقد أن الدبلوماسية معقدة نوعا ما، ربما قام الرئيس (ماكي صال) بما عليه وهو الذهاب إلى 42 دولة  لطلب الدعم لمرشحه، ولكن في المقابل ماذا يمكن تحقيقه وراء ذلك؟ وهل خلفية المرشح ستشفع له لتَقُّلد المنصب ودعمه؟ فأنا أعتقد أن (عبد الله باتشيلي) ليس له دورا مهما إلى حد كبير، لا أقول: لم ينجز شيئا، لكن إنجازاته لم ت كن على مستوى كبير، بغض النظر عن إنجازاته على المستوى الدولي، ولذا لا يُسْتَبْعَد وجود عراقيل قد تؤدي إلى فشله، والأمر الآخر هل السنغال تحظى بصداقة دول الجوار؟ فكثير من دول الجوار تقف ضد السنغال في مواقفها خاصة في ريادتها الدبلوماسية، والمعلوم أن الريادة في الدبلوماسية لا تتحقق بإكراه الآخرين، لكن تتحقق بحسن المعاملة معهم، فهل اقتنعت بهذا التعامل دول “CEDEAO” لتقف معها في مرشحها؟، لذا فإن هذه الخسارة تثير إلى وجود مشكلة دبلوماسية يحب أن نجد لها جوابا شافيا من المسؤولين للملف، ثم دراسة أسبابها، فهل هذا يرجع إلينا أم لا؟ وأظن بأن المسؤولين سيقومون باللازم، ربما تكون ضغوط الرأي العام سبب هذا التحفظ الملحوظ، فيجب مراجعة تعامل السنغال مع دول “CEDEAO” والدول الإفريقية عامة، كما يجب أن نأخذ درسا من هذا الفشل، في الوقت الذي نجد أن الكثير من الدول الإفريقية تقلدوا مناصب مهمة في الاتحاد الإفريقي، حتى لا نقع في نفس الخطأ في المرات القادمة، فماذا فعل الرئيس (إدريس ديبي) ولم يقم به الرئيس (ماكي)؟ وفي أي مجال تقدم به (فكي) عن (باتشلي) حتى فاز عليه؟ علما بأن (فكي) هو الوزير الخارجي والفوز يقتضي عملا دؤوبا ومهارات مشهودة والدفاع عن مواقف معروفة، فكل هذا يشكل فرصا وعوامل نجاح، ويختلف الأمر إذا انعدمت هذه الفرص.

السؤال الثامن:

هناك حملة قضائية ضد أنصار السيد (خليفة صال) ويرى بعض المراقبين أنها مسيسة فما تعليقك عليها؟

أتأسف لذلك كثيرا، لأننا إذا تكلمنا بمنطق العدالة فهي يجب أن تكون سريعة، ولكن إذا كان الأمر بالمحاباة أو بتصفية حسابات فيجب وضع حد لمثل هذه الأمور، ولا أعني بذلك عدم محاكمتهم، ولكن السؤال هو لماذا لم تتم المحاكمة منذ البداية؟ فالملاحظ أنه لما بدأ يضايق (تنور جينغ)  – الذي تحالف بحزبه مع الرئيس (ماكي) – تم استدعاء الملف، وكلنا نعلم أن (بارتلمي) مع الصور التي تم عرضها وهو يطلق الأعيرة النارية، فإذا حصل موت أحد لابد أن يكون حاضرا في كل الاستجوابات مع أني لا أقول بأنه هو الجاني فننتظر كلمة العدالة في ذلك، ولكن لماذا في هذا الوقت بالذات يتم عرض الملف؟ هل لأنهم اعترضوا لعدم دفع (تنور) بمرشح لهم للحزب في الانتخابات – وهذا يتمناه (بارتلمي) وأصحابه – فأراد التحالف الحاكم إقصاءهم؟.

فأنا أرى بأن مثل هذه التصرفات يجب وضع حد لها؛ لأنها غير حضاري، لست أقول لا للمحاكمة، لكن لا يجب أن تكون على أساس أنهم دعموا (خليفة صال) ضد التحالف الحاكم في الاستفتاء الماضي وفازوا في مناطق كثيرة ب(دكار)، فمثل هذا النوع من المحاكمة ليس إلا محاولة من أجل إقصاء رقيب سياسي بوسائل غير حضارية، وما ألاحظه في أحزابنا السياسية هو فقدان الديموقراطية في أعمالهم الداخلية، فنجد أحزابا أسست منذ السبعينات ومازال يتزعمها شخص واحد لسبب بسيط وهو أنه هو الممول له، لذلك فالديموقراطية الموجودة في حركاتنا الإسلامية لا توجد مثلها في الأحزاب السياسية، وهذا نوع من التحدي، وعلى كلٍّ فالعدالة يجب أن تبقى عدالة دون محاباة، أنتم ترون أنه كلما حاول أحد مضايقة الرجل المؤسس للحزب يتم إقصاؤه بشكل أو بآخر، رأينا مثل هذا في (مصطفى نياس) و(مالك غاكو) وفي (خليفة صال) وأعوانه في مقابل (تنور جينغ) إذا نشهد خللا للديموقراطية في أوساط الأحزاب السياسية، وصل الأمر إلى أننا نجد أحزابا منذ الستينات لا يزال يتزعمها مؤسسها رغم وصوله إلى مرحلة الشيخوخة، ويعمل على إقصاء كل من يقف ضده من أفراد حزبه.

والأغرب من ذلك قيل بأن الرئيس مازال يعرقل محاكمة من اتهموا بقضايا الفساد، وإذا تحرك شخص من هؤلاء سياسيا في غير مصلحتهم، أو رفض الانضمام إليهم يتم مباشرة كشف ملفه، وأنا أعتقد أن ذلك ليس صوابا؛ إذ ليس للقضاء وقت محدد، وليس مخصصا للمعارض فقط، فهذا يعتبر من قبيل السياسة من أجل مصالحة شخصية، ولا يجب استحسانه.

الختام:

منصور: نشكرك سعادة المفتش على إتاحتك لنا هذه الفرصة فلقد استفدنا من تجربتك ومعلوماتك كما نستسمحك إن كنا طولنا معك، ونتركك مع كلمة الختام ورأيك في البرنامج.

ضيف البرنامج: فرحت جدا في هذا البرنامج؛ لأنه فرصة كبيرة لنا أن نتقاسم الخبرات مع المتابعين، وهذه مبادرة يجب أن تستمر، و أبوابنا دائما مفتوحة لكم، لأن هذه القضايا جدير بالتداول فيما بيننا لمصلحة الوطن، وأستحسن طريقة إدارتك للحوار فالأسئلة كانت ناضجة، والناس بحاجة إلى معرفة آرائنا حولها، وأشكرك شخصيا كما أشكر عبد القادر انجاي وجميع أعضاء المجموعة لثقتكم بيَّ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

منصور: شكرا لكم وشكرا للإخوة جميعا، برنامجكم أضواء على الأحداث كان يستضيف سعادة المفتش (شيخ تيجان فال).

 وفي نهاية البرنامج نقدم لكم من (دكار) تحية أينما كنتم، دمتم في سابغ كلاءة الرحمن والسلام عليكم وحمة الله وبركاته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.