أحمد أمين عاج….يمكن تصور إنشاء تحالف موحد للقوى الإصلاحية مع مراعاة التنوع في الوجوه…….

(وحدة التحرير)

في ظل التطورات في الساحة السنغالية على المستوى الوطني والإقليمي أجرى محمد بشير جوب حوارا مع الباحث والناشط السياسي أحمد أمين عاج،  تناول الحوار جوانب متعددة تمس الشأن الداخلي في السنغال، كما تطرق أيضا للشأن الخارجي وخاصة مايخص العلاقات مع الجوار، وحاولنا معه في الحوار الحصول على قراءة واعية وشاملة، تستوعب كل المستجدات حول الساحة، كما استبعدنا الخوض معه في التحليلات النمطية والبعيدة عن الواقع.

السؤال: منذ الاستقلال إلى الآن تعودت السنغال على سلوك سياسي واحد، تتفاعل فيه نخبة من السياسيين، أزعم أنهم يتفقون على إيدولوجية واحدة وعلى برامج سياسية واحدة، وإن كان هناك فرقا في الوجوه، مع انتخاب أول رئيس ولد بعد الاستقلال شاهدنا تفاؤلا كبيرا من المراقبين والمتابعين في أن يتغير النهج السياسي في البلاد، هل يمكن أن نقول أن هذا النظام الجديد مع الرئيس المولود بعد الاستقلال حقق هذه الحلم؟ وأن الساحة السياسية السنغالية الآن في طور جديد وفي الاتجاه الصحيح؟

الجواب: النظام الحالي امتداد للنظام القديم بدليل أن رموزها كلهم من تلاميذ النظام الكلاسيكي المعهود منذ الاستقلال وهم ليسوا سوى خليطا من المكونات السياسية الثلاثة الأكثر حضورا في الساحة السنغالية منذ الاستقلال وهي المدرسة الاشتراكية التي حكمت الدولة أربعة عقود، والمدرسة الليبرالية التي حكمت الدولة اثنتا عشرة سنة ثم المدرسة الشيوعية التي تأرجحت بين المعارضة والممالأة عبر تلك العقود، وهذا النظام الحالي هجين سياسي مكون من الأعضاء المنشقين من تلك المدارس، فبالتالي ليس هناك تصحيح للمسار ولا يمكن منطقيا – والحال هذه- مطالبتهم بتصحيح المسار لأنه –كما يقال- كل إناء بما فيه ينضح وقد قال الفيلسوف الألماني قديما: من الحماقة تكرار الشيء مرة تلو الأخرى وتوقع نتائج مختلفة. نعم، لقد شهدت السنغال تغييرا في الأنظمة الحاكمة تغيرت فيه الوجوه مع بقاء أسس النظام وروحه، ونلاحظ في الوقت الحالي أن مجلس الشعب والهيئة العليا للتجمعات البلدية واللجنة الوطنية للحوار حول الأراضي بيد أشخاص هم نفس الأشخاص الذين كانوا في الحكم في عهد سنغور وأعني بهم السيد مصطفى انياس والسيد عثمان تنور جينغ وكذا السيد جيبو ليتي كاه.

ومع ذلك نحن أمام إرهاصات تشكل جديد في التركيبة السياسية للبلد من المبكر التنبؤ بما يتمخض عنه هذه التشكلات الجديدة.

السؤال: لايختلف اثنان في أن الجيل السياسي الكلاسيكي للسنغال في نهاية دوره الآن، وأنه من الطبيعي أن نجد جيلا صاعدا جديدا يقوم بسد هذا الفراغ، ولا مجال للشك أن هذا الجيل موجود ويدعي بلهف أحقِّيتها في أخذ دوره المنتظر، ولكن السؤال المطروح هو هل هذا الجيل مؤهل بما فيه الكفاية؟ وأنه مستوفي الشروط اللازمة للاستجابة للتحديات الموجودة؟

الجواب: نعم، لا شك أن الجيل السياسي الكلاسيكي للسنغال في نهاية دوره ولكن هذا لا يعني نهاية نهجه ونظامه خاصة مع وجود مقومات الاستمرارية من خلال شريحة كبيرة من النخبة السياسية ممن تشربوا أطروحات هذه المدرسة الكلاسيكية، وقد أثبت لنا النظام الحالي أن النخبة المولودة بعد الاستقلال ليست بالضرورة مختلفة في رؤاها عمن سبقهم ممن تخرجوا في محاضن الاستعمار.

وهنا نتساءل عما تسميه في سؤالك بالجيل الجديد، من هم؟ وكيف يمكن تحديدهم؟ وبالنظر إلى معطيات المدرسة الفرنكوفونية السنغالية نجد أن هناك إفرازات فكرية وإيديولوجية تزرع في مخرجاتها بذور الداء الذي يسميه مالك بن نبي بـ: “قابلية الاستعمار” من حيث تمجيد لغة المستعمر وثقافته، والبحث عن أسباب السعادة وراء البحار. فهذه الصبغة العامة لا تزال هي السائدة وإن كان ثم تباشير صحوة تلوح في الأفق لكن ليس لدي ما يؤكد أنها يمثل التيار العام.

وبغض النظر عن كون الجيل الجديد مؤهلا بما فيه الكفاية أم لا، إلا أنه على كل حال يجب أن يكون على مستوى التحدي، وأن يكون مستوعبا وملما بقضايا الواقع وملابساته، لأن ثمت تغيرات جذرية سارية في المجتمع السنغالي وعلى كافة المستويات، سواء السياسية أم الاجتماعية أم الاقتصادية وسيكون لها انعكاساتها على البلد -إيجابا أو سلبا-  في المرحلة القادمة. فعلى سبيل المثال في المجال السياسي هناك قيادات متقادمة مقابل قيادات شبابية صاعدة، ويجب على الصحويين –بالمفهوم العام للكلمة- انتهاز هذه الفرصة في تصدر المشهد وبالكاد توجيهه. وفي المجال الاقتصادي هناك مؤشرات لتنامي الطبقة الوسطى على حساب الطبقة الأدنى مما يعني بروز سلوكيات اجتماعية غير معتادة، فكيف سيتم التعامل معها؟ وفي المجال الاجتماعي هناك تغير في التركيبة السكانية بحيث تشير الإحصائيات إلى تجاوز الشباب دون الثلاثين نسبة 60% من السكان، وهي طاقة يجب رصدها والتعامل معها بإيجابية.

السؤال: في السنغال الآن أكثر من 270 حزبا سياسيا، في بلد لم يتجاوز 15 مليون نسمة، كما أن وسائل الإعلام فرضت الموضوعات السياسية على الرأي العام الوطني بشكل مفرط، ماجعل الكثير يفقد الأمل على السياسة والسياسيين، ولم يعد الشعب يثق تقريبا على أحد، في ظل هذه المعطيات أليس هناك فجوة عميقة بين العرض الذي يعرضه السياسيون والطلب الذي ينتظره الشعب منهم، وما هي مظاهر هذه الفجوة؟

الجواب: ظاهرة تضخم الأحزاب السياسية في السنغال يعكس عن وجود أزمة قيادة بل أزمة نخبوية وحسب، لأن الكثير من تلك الأحزاب مجرد أوراق للمزايدة وتحقيق مكاسب سياسية بحتة، ولذا ما عدا ثلاثة أحزاب حاضرة في الميدان فباقي الأحزاب لا تسمع لها حركة إلا خلال فترات الانتخابات. وهذه المهاترات السياسية أثارت امتعاض الشعب كما خلق فجوة بينه وبين النخبة السياسية، وتتجلى مظاهر هذه الفجوة في عزوف غالبية الشعب عن المشاركة في الانتخابات وكذلك اتخاذ الناخبين استراتيجية الانتخاب الجزائي (vote sanction)-إن صح التعبير- والذي يعني معاقبة المترشح المرغوب عنه بالتصويت ضده لا تأييدا للآخر وإنما تأديبا للسياسي المسيء، وهكذا كان الحال في الانتخابات الرئاسية لعام 2012م.

وما دام النقاش السياسي في السنغال لا يدور حل القضايا الجادة التي تلامس هموم المجتمع السنغالي فستظل الفجوة قائمة وواسعة بين الناخب والمنتخب.

السؤال: بعد مرور 5 سنوات مع النظام الحالي، رجعت موضوعات الفساد المالي وسوء الإدارة إلى طاولة المناقشات، كما رجع مؤشر الديموقراطية إلى الورى في رأي البعض، وذلك بسبب الاعتقالات السياسية التي يصفها البعض بتصفية حسابات، هل يمكن أن نقول بأننا رجعنا إلى المربع الأول مع هذا النظام، أو يمكن أن نقول أن الرئيس لم يقم إلا بتطبيق مطالب شعبية من أجل القضاء على الفساد المالي؟

الجواب: لا شك أن الفساد الاداري وانتشار الرشوة من أكبر ما تعاني منها السنغال وهو برأيي السبب الأساسي في التخلف والفقر الذي يضرب في عمق المجتمع وخصوصا المجتمع الريفي، وقد كانت مكافحة الفساد المالي والإداري من المطالب الملحة للشعب إبان الانتخابات الرئاسية عام 2012م، لكن تبين أن هذا الملف معقد جدا بسبب الملابسات السياسية والاجتماعية التي ألقت بظلالها في القضية وشكلت صورة قاتمة يصعب معها الحكم بنزاهة الخطوات المتخذة في هذا الإطار.

فجهاز الرقابة العامة للدولة خاضعة للسلطة التنفيذية وتقاريرها تحت تصرف الرئيس الذي تتهمه المعارضة بالانتقائية في المشبوهين. كما نجد أن الإدارة العامة لمكافحة الفساد لديها سلطة المرافعة وتحويل الملفات المشبوهة مباشرة لمكتب النيابة العامة ولكنها هي الأخرى متهمة بمواجهة ضغوط من السلطة التنفيذية

أضف الى ذلك وجود ثغرات قانونية حادة في الأنظمة المالية في ظل وجود ما يسمى بالصندوق الأسود المخصصة لرئيس الجمهورية والصناديق السياسية المخصصة لمجلس الشعب وأعضاء الحكومة وكذلك موضوع السُّلَف النقدية لمجالس البلديات، وهي كلها أدوات ذكية لنهب أموال الدولة دون رقابة، وهذا يدعوا إلى ضرورة تعجيل إصلاحات الأنظمة المالية السنغالية لوقف نزيف الأموال المهربة.

السؤال: نتكلم الآن عما أسميه المشروع الإصلاحي السنغالي وموقعه المفترض في الساحة السياسية السنغالية، ففي ظل هذه التفاعلات السياسية ونحن نقبل على انتخابات برلمانية مالذي يتحتم على هذا المشروع القيام به ليخترق الميدان السياسي السنغالي ويثبت وجوده؟

الجواب: طبعا، البرلمان -بلغة الفقهاء- هو مجلس شورى الشعب ويجب أن يعكس جميع مكونات الشعب، وبالتالي ليس هناك ما يبرر حالة غياب أو الحضور المتواضع للإصلاحيين في هذا المجلس.

فلابد لحملة المشروع الإصلاحي الالتفاف نحو تحالف كبير وواسع يستوعب جميع الحركات الإصلاحية دون إقصاء أو تخوين لأحد، وكذلك صياغة مشروع تنموي واقعي مع ضرورة تبني خطاب مناسب ومفهوم لا تخلط بين السياسي والدعوي. مع الأخذ بعين الاعتبار كون الحراك السياسي عملية ممتدة مستمرة غير ظرفية، وكما أسلفت سابقا بأن الأوراق السياسية في الوقت الحالي مختلطة ولا يمكن لأي مكون سياسي الادعاء بمفرده احتواء المشهد، كما ان حالة اليأس من الأحزاب السياسية  التي أصاب المجتمع أدى إلى امتعاض الكثير من السياسيين والتوجه نحو المجتمعات المدنية والجمعيات المستقلة، ويمكن أن يكون هذه الحالة في صالح حملة المشروع الإصلاحي إذا استحسنوا استغلال الفرصة واستطاعوا تحاشي أخطاء الماضي، وهنا يمكن تصور إنشاء تحالف موحد للقوى الإصلاحية مع مراعاة التنوع في الوجوه الممثلة بحيث يستوعب جميع شرائح المجتمع، ونؤكد على هذه النقطة الأخيرة كي لا يعتقد البعض أنها دعوة إلى إنشاء قائمة ائتلافية للأئمة والدعاة، فذاك تحالف طائفي وليس ائتلافا وطنيا لأن مكونات المجتمع السنغالي أوسع من ذلك بكثير.

السؤال: وفي نفس السياق فيما يتعلق بالتوترات العارضة التي تحصل من حين لآخر جراء التصرفات التي يمكن وصفها بـ “اللامسؤولة” ويقوم بها بعض الناس، إلا أنها تحدث ردود أفعال غير متوقعة وسلبية في الوقت ذاته لاتصب بأي حال في المصلحة الوطنية، وتعمق الفجوة بين العاملين في الساحة الإصلاحية، فما تقييمك لردود الأفعال الكثيرة التي تلت التصريح “اللامسؤول” في حق الله تعالى والذي صدر من أحد الشباب في الأيام الماضية؟

الجواب: طبعا ما نرصده حاليا من حالة التوتر في الميدان الدعوي والديني والحاصلة بسبب تصريحات السفهاء والمتعالمين ظاهرة خطيرة في الحقيقة، وهنا لا بد من تسجيل أمرين:

أولا: وجوب شجب هذه التصريحات أداء لشعيرة إنكار المنكر من العلماء بالحكمة والموعظة الحسنة، خاصة وأن البيانات المختلفة أكدت على أن تلكم الشطحات لا يرضى بها أحد من الطوائف.

وثانيا: يجب معرفة أن هناك أناس مرتزقة ينتهز هذه الحالات للتصعيد بين الأسر الدينية والمؤسسات الدعوية ولا يرضى بالتقارب والتفاهم، فَهَمُّهُم حلحلة العلاقات البينية بين مختلف الطوائف لكسب لقمة العيش ولو على حساب المصلحة الوطنية. والتعامل مع هؤلاء وحملاتهم الموجهة يجب أن يكون مدروسة بعيدا عن الانفعال والارتجالية وإلا فسوف يؤدي إلى تأزيم الوضع من خلال الوسائل الإعلامية النشطة في تغطية التراشق الكلامي وخاصة إذا كان ممن ينتسبون إلى الدين.

وهذه الحالة الخانقة تؤكد على ضرورة الحوار البيني بين مختلف الرموز الإسلامية في البلد، بين الجمعيات الإسلامية والأسر الدينية لأن الحاصل حاليا هو الحوار الأصم بين أتباع الجهات المختلفة، ولا يمكن وضع حد لذلك إلا بمبادرة من الكبار. ويجب أن ندرك أن الوحدة الوطنية مصلحة فوق كل المصالح، وأن للتقصير فيها ثمن سوف يدفعه الجميع إن لم يتم رأب الصدع.

السؤال: في إحدى مقالاتك وصفت السنغال بـصاحب “الدبلوماسية العملاقة” في ظل التطورات والأزمات الإقليمية الراهنة هل مازلت تؤمن بهذا الوصف؟ وماهي مبرراتها؟

الجواب: لا شك أن السنغال عرفت وإلى عهد قريب بحركاتها الديبلوماسية النشطة في كافة الأصعدة.  

ومن الطبيعي أن يختلف الأمر بعض الشيء حيث لم تعد وحدها تحمل طموحات قيادة المنطقة وهناك منافسة كبيرة من الدول المجاورة وهي منافسة مشروعة. وهذا يجب أن يدفع السنغال إلى تحديث استراتيجيتها الديبلوماسية والخروج من النمطية “والبيروقراطية النخبوية”.

ولا شك أن السنغال عملاق ديبلوماسي وهذا ناتج عن الموازنة في سياستها الخارجية بين الديبلوماسية الثقافية والديبلوماسية العسكرية، فهي لم تتنكر لانتماءاتها الثقافية سواء الشرقية أو الغربية، فمن حيث البعد الإسلامي كانت رائدة في المنطقة في تحمل الملفات الإسلامية كقضية فلسطين والأزمات السياسية في الخليج بحجة حماية المقدسات الإسلامية، كما أن السنغال تكيفت مع ثقافتها الفرنكوفونية بتشنجاتها الفكرية وكانت رائدة كذلك. إضافة إلى الديبلوماسية العسكرية التي جعلت السنغال سابع دولة في العالم وثالث دولة في أفريقيا وأولى دولة في منطقة غرب أفريقيا من حيث المشاركة في عمليات إحلال السلام في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك لاحظنا توترا في العلاقات مع دول الجوار، ولستُ ممن يفسر ذلك بـ”إخفاقات ديبلوماسية”، فهذا برأيي قراءة سطحية للموضوع، ذلك إذا نظرنا إلى خريطة “ديبلوماسية الجوار” نجد أن القاعدة بين الجيران هو الحذر والتحوط، فلو نظرنا إلى موريتانيا -مثلا-نجد أن علاقاتها متوترة مع المغرب شمالا، ومع السنغال جنوبا، ونجد المغرب متوترة في علاقاتها مع جيرانها الجزائر وموريتانيا وإسبانيا، والجزائر كذلك.. وهكذا دواليك في كل الدول.

والأهم من ذلك هو حسن قراءة الواقع، فَحِدَّة المنافسة في السياسات الدولية وسرعة تغير المعطيات الجيوسياسية يدعوا السنغال إلى ضرورة التحديث لمواكبة المستجدات، وهنا نقترح تفعيل وتعزيز الديبلوماسية الشعبية فيما يتعلق بدول الجوار وتفعيل وتعزيز الديبلوماسية الاقتصادية مع باقي دول العالم. كما نقترح المزيد من العناية بالشريحة المستعربة التي يمكن أن تلعب دورا أكبر مما هو الموجود حاليا في العالم العربي والإسلامي.

السؤال: على ذكر موريتانيا، ففي آخر تطورات العلاقات السنغالية الموريتانية، شاهدنا حملة إعلامية عنيفة شوَّهت الكثير من العلاقات بين البلدين، هل هناك جهة تريد تعكير صفوة هذه العلاقات؟ وماهي المسؤولية المشتركة بين البلدين في هذا الصدد على المستوى الرسمي والشعبي والنخبوي؟

الجواب: العلاقات السنغالية الموريتانية ضاربة جذورها في التاريخ، فلقد كان شعبا واحدا يُدار من مدينة سان لويس عاصمة الاستعمار الفرنسي، كما أن النخبة المثقفة الموريتانية التي كانت في الحكم إبان الاستقلال تخرجت في المدراس السنغالية وتحديدا مدرسة ويليام بونتي بجزيزة غوري. وفي المقابل تخرجت نخبة من العلماء السنغاليين في المحاضر الموريتانية، ويمكن الإطالة في التدليل على العلاقة التاريخية بين البلدين أو بالأحرى بين الشعبين وعلى كافة الأصعدة، ولكن ما حدث مؤخرا من تصعيد عبر الوسائل الإعلامية ينم عن وجود خلاف حاد بين الحكومتين في ملفات متعددة أهمها: ملف الأزمة الغامبية، وملف النفط المكتشف قريبا من الحدود المشتركة بين البلدين، إضافة إلى اتفاقيات الصيد بين البلدين وتعدي الصيادين السنغاليين لتلك الاتفاقيات.

وهنا أسجل نقاطا:

أولا: كانت على الحكومة الموريتانية أن تتعامل مع الملف الغامبي بعقلانية أكثر نظرا لموقع غامبيا الجغرافي والتي توجد في رحم السنغال. والواقع أن موريتانيا لعبت بكافة أوراقها في هذا الملف دون تقدير دقيق للوضع، وخسرت القضية في النهاية، فكان حاله كحال الرجل الأعرابي لما سألوه حين رجع بدون الإبل قال: “أوسَعْتُهم سَبًّا وصاروا بالإبل”. ونثمن هنا جهود الحكومة السنغالية التي أدارت الأزمة بحنكة وجدارة.

ثانيا: ليس من مصلحة الشعبين ما يحصل من التصعيد من طرف دعاة التأزيم لأن لديها تداعيات عاجلة على المستوى التعاون البيني اليومي بين الشعبين.

ثالثا: على كلا الطرفين الاستماع لصوت الحكمة والمنطق، فعلى الطرف السنغالي ضبط صياديها للتقليل من الاعتداءات المستمرة على المياه الموريتانية، كما أن على موريتانيا الاستماع لصوت الحكمة التي تدعوا إلى النظر في ملف العبودية وحقوق الإنسان في موريتانيا.   

السؤال: نلاحظ أن العلاقات بين السنغال وغامبيا على مستوى رفيع، ماجعل الكثير يفكر ويعتقد في إمكانية تجاوز الكثير من العراقيل، والدخول في علاقات أكثر متانة، كما حصل في التاريخ، نتذكر مثلا الاتحاد الفدرالي الذي دام 8 سنوات بينهما، ومن هنا هل يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه؟ وماهي الأخطاء التي يجب تجنبها بين البلدين؟  

الجواب: طبعا، أصبحت العلاقات السنغامبية جيدة بعد تغيير نظام يحيى جامي وهي فرصة كبيرة لتسوية الكثير من الخلافات السابقة والملفات العالقة وتعزيز التعاون البيني بين البلدين، ويجب أن يتم التعامل مع الطرف الغامبي باحترام وندية بعيدا عن عقلية الوصاية والاستعلاء التي تغذيها بعض أساطين الصحافة السنغالية.  كما أنها فرصة سانحة لإنهاء ملف المتمردين في كازامانس بعد أن كان النظام القديم في غامبيا عائقا أمام ذلك.

ومن المستعجل الحديث عن إعادة اتحاد سنغامبيا خاصة وأن الطرفين استوعبا الدروس، والأهم أن يدرك الجميع أنه محكوم على الدولتين التعايش معا، ولا يوجد خيار آخر غير التعايش السلمي والبنَّاء.

 

 

تعليق 1
  1. abda kane يقول

    من أجمل منشورات الموقع، ولهذه الحوارات فائدة، ورجائي أن تترجم إلى الفرنسية لتنشر في المواقع الفرنسبة العريقة في السنغال، وذلك لشمولية رسالة الوسطية في توطيد جهود الدولة، وإبصار المواطنين الواقع ومعطياته، ويكون ذلك نفعا لمن يطلع علي الحوار من رؤساء الدولة وحكامها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.