الحداثة العربية في نسختها الأفريقية

بقلم الباحث/ محمد مصطفى جالو

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.                                                                   

وبعد،،،،

ففي هذا العصر الذي انتشر فيه الإنترنت وأصبح الإنسان يستطيع الوصول إلى أي معلومة يريدها، فإن ذلك أنتج للقارة السوداء مستعربين يرون أن العبقرية في الهجوم على نصوص الوحيين، وأن التحرر في الاستقلال بفهمهما دون الاستعانة بأحد، وأن الخروج من ربِقة التقليد والتقديس في خلاف المتقدمين ونبذ كل ما هو قديم، وأن العقل هو المعيار الوحيد لقبول الحكم الشرعي أو رده.

وتتميز هذه الفئة المستعربة بالإعجاب بالنفس، والاستهزاء بالغير، واتهامه بعبادة النص، مع الادعاء بأن الأفكار التي تتبناها توصلت إليها بعقلها المتحرر دون تأثرٍ بأحد.

لكن الباحث الذي له اهتمام بإنتاجات الحداثيين العرب ومراكز البحث التي تعتني بهذه الإنتاجات ونقدها نقدا علميا يعرف أن هؤلاء المستعربين يستقون من معين أفكار إخوانهم العرب الذين هم الآخرون يستوردون هذه البضاعة من الغرب الذي ذاق ويلات الاستبداد الكنسي الذي أقام حربا لا هوادة فيها على العلم والمكتشفين، الأمر الذي حمل الغرب على إقامة الحرب المضادة للدين والسعي إلى التخلص من كل ما يتصل به.

حين يقارن المرء منشورات المستعربين الذين ينقدون الدين الإسلامي، ويفسرون ما يتصل بالإسلام من علوم تفسيرا سياسيا، ويجعلونه منطلقا لنقد العلوم الإسلامية، حين يقارن ذلك بما أنتجه الفكر الحداثي العربي المعاصر تبين له أن الأفكار التي يحملها هؤلاء المستعربون ويبثونها في مواقع التواصل الاجتماعي، وينالون بها ثناء الجاهلين وإعجاب النَّوْكى والمغفلين ليست جديدة، وإنما هي أفكار الحداثيين العرب في نسختها الأفريقية.

ولا يحتاج الباحث إلى عناءٍ كثير لمعرفة أن هؤلاء المستعربين الذين يُظهرون أنفسهم بمظهر العبقرية والاستقلالية في الفكر عالةً على الحداثيين العرب الذين انبهروا بمناهج الغرب في النقد وقدسوها حتى قال أحدهم:” نحن مطالبون ليس بالاقتباس من الغرب فقط، بل بمواكبة تطوره ونموه في كل شيء”، فأصبح الحداثي العربي بسبب هذا الإعجاب المفرط بالمنهج الغربي مستوردا بامتياز من الغرب، وهاربا من تقليد أخيه في الدين والدم والجوار إلى تقليد بعيدٍ عنه جغرافيا ودينيا وثقافيا، وفارا من تقديس تراث أجداده إلى تقديس تراث أجداد الآخرين والانصهار فيه، ولا يختلف الأمر كذلك عن المستعرب الذي هو عبد في الفكر والنظرة للدين للحداثي العربي الذي هو الآخر عبد للغربي فيهما.

ومما يؤسف له أن يرى المرء في المواقع من يطلق على هؤلاء المستعربين المقدِّسين للفكر الحداثي العربي ألقابا ربما لو أطلقت على الإمام تقي الدين ابن تيمية المجمع على عبقريته لسارع إلى إنكارها، وكأن ما يبثونه من أفكارٍ من كيسهم ومن بنات أفكارهم التي لم يُسبقوا إليها، لكنها في الحقيقة أفكارٌ سبقهم إليها أسيادهم الحداثيون العرب عرفوا ذلك أو جهلوه.

ومن القواسم المشتركة بين الحداثيين العرب وأذنابهم المستعربين الأفارقة أن أكثرهم انتقائيون -كما ذكر الدكتور سلطان العميري- حيث يختارون من الأدلة أو الأحداث التاريخية ما يخدم اتجاههم دون مراعاة لمنهج البحث العلمي النزيه، إلا أن المستعرب الأفريقي ينفرد عن سيده الحداثي العربي بجهلِ كثيرٍ من المصطلحات الشائعة في الطروحات الحداثية، حيث إن بعضهم يستعمل في منشوراته مصطلحاتٍ حداثيةً لو طُلب منه أن يشرح معانيها ويبين للمتابع مراميها ومقاصدها لعجز عنه، مما يدل على أن هذه الفئة من المستعربين كالببغاء يردد الكلمة دون معرفة معناها.

ويحسن قبل رفع القلم ذكر بعض المراكز البحثية التي تعتني بنقد الفكر الحداثي العربي الذي يقلده المستعرب الأفريقي في كيفية دراسة مسائل الدين أو تحليل التاريخ الإسلامي.

1ـــ مركز تكوين للدراسات والبحوث، ومن أجمل ما أصدره هذا المركز كتاب: زخرف القول معالجة لأبرز المقالات المؤسسة للانحراف الفكر المعاصر.

2ـــ مركز نماء للبحوث والدراسات، ولهم في المجال دراسات منها: القراءات المعاصرة والفقه الإسلامي، فأكثر القراءات الحداثية المتلعقة بالفقه الإسلامي التي يرددها المستعربون المتأثرون بالحداثيين العرب في مواقع التواصل الاجتماعي تمت معالجتها في هذا الكتاب.

3ـــ مركز التأصيل للدراسات والبحوث، ومن أجمل ما أصدره: التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي المعاصر، للدكتور سلطان العميري، وهو كتاب ممتع جدا رد من خلاله كبار الحداثيين العرب؛ كمحمد أركون، والجابري وحسن حنفي وغيرهم ممن يمجدهم المستعربون الأفارقة المتأثرون بالحداثة العربية.

4ـــ كتب الدكتور أبي عمر إبراهيم السكران؛ فإن الرجل بارع في المجال وقوي في الرد على الحداثة العربية، ومن أبرز كتبه في الباب: التأويل الحداثي للتراث – التقنيات والاستمدادت، وغيره من الباحثين المبدعين في الدفاع عن الإسلام.

ومما سبق يتبين أن أكثر من وقع فريسةً للفكر الحداثي العربي هو ذاك المستعرب الذي بضاعته في العلوم الشرعية مزجاة، وتأصليه فيها غير متين، وخبرتها فيها ضعيفة، وإلا فلا توجد شبهة تثار لتشويه الدين الإسلامي إلا ويوجد عالم  أو باحث انبرى للرد عليها وبيان زيفها بطرق واضحة تقنع لمن ينشد الحق ويتحراه، كما لا ينبغي الاغترار بأن هؤلاء المستعربين مستقلون فكريا وعلميا، فإنهم في واقع الأمر يمثلون التقليد الأعمى في أبشع صوره.

وصلى الله وسلم على النبي المختار، وعلى آله الأخيار، وصحبه الأبرار.

3 تعليقات
  1. محمد يقول

    إبداع، وهدية سَنية لخاطر القارئ

  2. غير معروف يقول

    لقد أحسنت قولا يا دكتور

  3. غير معروف يقول

    بارك الله فيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.