الإمام ديكو أنموذجا

نثمن في الإمام محمود ديكو همه الوطني وإيجابيته ومشاركته في التغيير وصنع مستقبل مالي، وكونه رجل دين قائد وصاحب رؤية إصلاحية شاملة ومبادرا صانعا للأحداث وموجها لها، وليس رجلا سلبيا قابعا في هامش الأحداث يكتفي بما يحدد له بعض فئات المجتمع من أدوار لا تعدو قراءة الصلوات في أعقاب الاجتماعات وأوقات المحن..

و هكذا يجب أن يكون رجال الدين مهمومين بهموم أوطانهم روادا للتغيير، يدعون إلى الشورى في التولية، والعدل في الحكم، والرشد في الإدارة بأقوالهم وأفعالهم كما يدعون إلى الصلاة والصيام والزكاة وغيرها.. باعتبارها جميعا تعاليم للإسلام لا تقبل التجزئة، وينددون بالاستبداد وغصب إرادة الأمة في الاختيار الحر والنزيه لحكامها، وبالظلم السياسي والفساد الإداري كما ينددون بشرب الخمر والزنى والربا وغيرها باعتبارها جميعا كذلك منكرات فاحشة دون استثناء في منظور الإسلام.

أما أن يتحدث رجال الدين عن الصلاة والصيام والزكاة ويسكتون عن الشورى والعدل والرشد والأمانة في شؤون الحكم، أو ينهون عن الربا والزنا و شرب الخمر و َيسكتون عن الاستبداد وغصب إرادة الأمة والظلم السياسي والفساد الإداري فهذا من التنصل عن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ومن التهرب من الواجب الشرعي والوطني والإنساني في الإصلاح والتغيير على كل المستويات.

أما الذين يتحسسون من أي دور لرجل الدين في الشأن العام والمشهد السياسي ربما تكون ظاهرة الإمام ديكو في مالي مصدر حرج وقلق لهم ولكن ليفهموا أن رجال الدين مواطنون بنفس الدرجة مثل جميع المواطنين، ويتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتعون بها، ومنها حق المشاركة السياسية؛ وبالتالي فحساسيتهم من مشاركة رجال الدين في المشهد السياسي لا تقوم على أي أساس ساس قانوني، بل هي قائمة على أساس التعصب الأيدلوجي الذي لا يسنده المنطق ولا القانون.

و رجال الدين الفاهمون لدينهم والواعون بواقعهم يواجهون هذا الإقصاء الذي يحاول العلمانيون فرضه عليهم ويخوضون غمار الحياة العامة سياسيتها واقتصاديتها واجتماعيتها – بحكم كونهم مسلمين أولا؛ لا يعرف دينهم الفرق بين الدين والسياسة، وبحكم كونهم مواطنين ثانيا؛ تفرض عليهم الوطنية التقدم لخدمة أوطانهم والدفاع عن مصالحها، ويكفل لهم الدستور حق المشاركة السياسية – في وعي بالواقع ناضج، ومصداقية في الخطاب عالية، وجدية في المشروع كبيرة. وهؤلاء منهم الإمام ديكو و رفاقه في مالي وغيرهم كثير في مختلف البلدان.. سواء من دفعتهم الظروف المواتية إلى الواجهة أو ممن لم تتهيا لهم الظروف لتصدر المشهد لكنهم جميعا يشتركون في الحس الإسلامي والوطني الذي دفعهم للتحرك خدمة لأوطانهم ودفاعا عن مصالحها متحدين الإقصاء العلماني والتحييد المجتمعي.

وللعلم فلست في مقام تقييم الحراك في مالي بزعامة الإمام محمود ديكو، فمن السابق لأوانه الحديث عنه، و إنما أبدي موقفي المبدئي من تحرك الإمام محمد ديكو لصنع التغيير في مالي وهو تحرك نبيل ومشروع يستحق التنويه خصوصا في ظل ما تشهده حكومة إبراهيم بوبكر كيتا من فشل في تحقيق الأمن والاستقرار وتدهور للأوضاع المعيشية للمواطنين وانتشار الفساد والمحسوبية فيها.

عبد القادر عبد الرزاق انجاي

تعليق 1
  1. الحاج سك يقول

    مقالة رائعة إلى الأمام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.