قضية التجارة البشرية في ليبيا ــ أسباب وحلول.

(*) محمد مصطفى جالو

إن الروابط التي تربط بين عرب أفريقيا وبين غيرهم من الأجناس الأخرى في القارة كثيرة ومتينة جدا منها: الجوار، والمصاهرة، والدين الإسلامي الذي يعتبر عروة وثقى بين المسلمين بصرف النظر عن جنسهم ولونهم، ويشتركون جميعا أيضا في مواجهة التحديات التي يوجهها الغرب إليهم من غزوٍ ثقافي، وفرضٍ لنمط حياته على الشعوب الإفريقية، وسرقةٍ لثرواتهم الطبيعية، وتوسيعٍ للاضطرابات التي تعاني منها القارة حتى تتسنى له الريادة كما يريد.

فكل ما سبق ذكره يدلنا جميعا على أن المشكلة التي نعانيها والتحديات التي أمامنا واحدة، كما أن العدو المتربص بنا واحد، فكان ينبغي أن تتكاتف الأيدي، وتُوحد الجهود حتى تتم عرقلة خطط العدو، ونضمن بذلك بقاء القارة أفريقية معتزة بثقافتها ودينها وأعرافها وثرواتها الطبيعية.

إلا أنه مع وضوح تلك الروابط التي تربطنا، ومع ظهور تلك التحديات المشتركة نهارا جهارا، فإن بعضا منا يزيد علينا المشاكل ويعمق الجرح الذي أضعف القارة، بتصرفاته البهيمية واللاإنسانية تجاه إخوانه إما في المجاورة أو في الدين، وذلك باستغلال هجرتهم غير الشرعية وغربتهم عن أوطانهم باتخاذهم سلعا معروضة للبيع في مزادات علنية كما تعرض البضائع والحيوانات للبيع لا حول ولا قوة إلا بالله.

هنالك في رأيي أسباب جعلت بعض البيض يظن أن السواد يساوي الرق منها:

ـــ مجرد اللون الذي خلقه ربه عز وجل عليه:

 ولذا تجد بعض البيض يرون صاحب البشرة السوداء دونهم بمراحل، وحتى في الأفلام عموما تجد الأسود في الغالب يمثل الدور الأدنى فيها، فإما أن يكون خادما في قصر أو أحمق لا فائدة منه، أو فقيرا فقرا مدقعا، أو عبدا يخدم سيده.

ــ التربية التي يربى عليها العنصري ذريته:

حين يسمع الولد من والديه منذ أن عقل حتى كبر أن الأسود عبد فطبيعي جدا أن يرسخ في ذهنه أن الأسود عبد، ومن شبَّ على شيء شاب عليه، وهو بدوره سوف يلقن ابنه ما تعلمه من أبيه، وهذا في الحقيقة أمر عالق في ذهن بعض البيض، وإذا أردت أن تعرف ذلك فما عليك إلا أن تثير ثائرة أمثال هؤلاء فقد يسمعونك ألفاظا ربما لم تسمعها قط في حياتك.

شحن بعض الكتب الفقهية بأفكار لا تمت إلى الإسلام بصلة:

ما يذكر في بطون الكتب وفي باب العيوب في النكاح خاصة من عدِّ السواد عيبا يفسخ به النكاح أمر قد يغذي في ذهن القارئ الأبيض أن اللون الأسود بذاته عيب، خصوصا أنه أمر أُلبس بلباس الفقه الإسلامي، ولا يستبعد من مثل هذا أن يقوم ببيع إنسان حر مثله، وهل في إهانة المعيب وابتذاله عيب؟ الجواب لا يعتبر ذلك عيبا في ذهنية المتربي على مثل هذه الأفكار.

عدم وجود فرص تحُد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية:

تعتبر قارتنا الحبيبة جنة الدنيا ومتنافس القوى العظمى وذلك لكثرة ثرواتها ومواردها الطبيعية المتنوعة علاوة على ذلك كثرة شبابها، إلا أن قادة أفريقيا لم يقوموا بواجبهم تجاه تلك الثروات الطبيعية والبشرية، حيث إن همهم هو إملاء جيوبهم وخزائنهم، فضلا عن اختراع مجالات عمل تتيح للشباب العمل في أراضي أوطانهم وتُصرفهم عن المغامرة التي تعتبرا انتحارا في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يدفعهم إلى الهجرة بحثا عن عيش كريم يستطيعون به حفظ ماء وجوههم ومساعدة والديهم وذويهم، وفي سبيل ذلك يقعون على أيدي المهربين المجرمين الذين لا همَّ لهم إلا جمع المال ولو على حساب بيع إخوانهم في العِرق.

الإعلام الغربي الذي ينتهز هذه الفرص للتحريش والإعلام العربي المتجاهل لما يجري:

إن القضية الليبية لا قت تغطية منقطعة النظير من قبل الإعلام الغربي، حيث قام إعلاميوهم بتغطية الجرائم التي ترتكب ضد الأفارقة ذوي البشرة السوداء مع إرفاقها بصور وفيديوهات تحرك المشاعر، وربما تؤجج نار العنصرية ضد العرب وتستعيد ذكريات الجاهلية،، في الوقت الذي لم نر ولم نسمع الإعلام الشرقي يُدين صراحة بما يجري ويبين أنه انتهاك لحرمة الإنسان، وإذا قارنت هذا الموقف بموقفهم تجاه الأفارقة المرتزقة ـ على حد تعبيرهم ـ أيام القذافي لا تشك في أن في تصرف الإعلام الشرقي نفاقا واضحا، وهذا الإهمال الإعلامي للقضية يجرح في مصداقية بعض القنوات التي كان الكثير منا يظن أنها قنوات نزيهة، ويفتح للأفريقي غير العربي بابا للطعن في عنصرية الإعلام الشرقي؛ لكونه تجاهل أمرا أوضح من الشمس في رابعة النهار.

ولعل الحلول المقترحة لقطع دابر العنصرية من جذورها ما يلي:

الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية:

لا يخفى على مسلم عربيا كان أو عجميا أن الإسلام وجد البشرية في ظلمة ظلماء، يستعبد بعضهم بعضا، فكانت الآيات تترى وتبين لمقتنعي الدين الجديد أن ربهم واحد، وأنهم جُعلوا شعوبا ليتعارفوا لا ليتكبر بعضهم على بعض، بل بين أن من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، وفي آخر خطبة له صلى الله عليه وسلم بين أمام الملأ أن الناس سواسية لا فضل لأحد على آخر بغض النظر عن جنسه ولونه.

فترسيخ هذه المبادئ التي جاء بها الإسلام في قلوب المسلمين وتطبيقها عمليا سيقضي هذه التصرفات البربرية والوحشية، فمصيبة العالم الإسلامي هي حفظ النصوص في الصدور وتضييعها عند التعامل؛ هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل، ولذا فلا يستبعد أن يكون من بين تجار البشر أولئك من هو حافظ لتلك النصوص والمبادئ إلا أنه لا فرق بينه وبين الحمار يحمل أسفارا لأنه لم يلتزم بتعاليم محفوظاته التي تخزنها ذاكرته.

فلسنا بحاجة إلى حافظ أو عالم أو شيخ يبكي الناس بكلماته المؤثرة حين يخطب أو يحاضر، ويتصرف تصرفات إبليس حين يتعامل مع خلق الله.

تطبيق عقوبات صارمة ضد كل من تلطخت يده في هذه الجريمة:

يجب على المنظمات الأفريقية إصدار عقوبات صارمة ضد كل من كانت له يد في هذه التجارة البشرية بدءا من المهربين وانتهاء بالمزاولين لهذه المهنة الدنيئة، حتى لا يعودوا لمثله، ويكونوا عبرة لغيرهم.

كما يجب على الدول العربية الأفريقية عقاب المسؤولين الذين تصدر منهم العبارات العنصرية تجاه الأفارقة السود، فالسكوت على الجريمة مع القدرة على إزالتها يعني الرضا بها، فكما لا يتجرأ مسؤول عربي على الكلام في رئيس دولته لأنه يعرف ما ينتظره جراء ذلك، فكذلك ينبغي أن تكون العقوبة حين يصرح بالعنصرية.

الاعتراف بالخلل الموجود والبحث له عن حل عاجل:

 حين يتطرق الناس إلى العنصرية الموجودة في بعض العرب يحاول بعضهم أن ينكره بأي طريقة، بل أحيانا يتهم من يتكلم فيها ببغض العرب وكرهه لهم، أو يبرر ذلك بأن العنصرية موجودة في كل بني البشر، وهذا ما يجعل البحث عن علاج  لها صعبا؛ إذ كيف يتداوى من هو على يقين بأنه صحيح وسالم من كل مرض.

تذكر القاضيا المصيرية المشتركة بيننا ووضعها في الحسبان:

إن الأمور المشتركة بين الأفارقة عربا كانوا أو عجما كثيرة ومهمة، منها: الجوار والدين والمصاهرة أحيانا، فإن ظن عربي أفريقي أنه يستطيع تمشية أموره بعيدا عن بقية الأجناس الأفريقية فإنه يخدع نفسه ويعيش في وهم بين؛ لأن الغربي يعتبر العرب عموما بدوا، وكذلك الأفارقة غير العرب يعتبرهم الغرب وحوشا؛ إذن فالعربي والعجمي في نظر الغربي متقارب جدا، فهذا وغيره ينبغي أن يكون محفزا لتوطيد العلاقات بين أبناء القارة لتصدي طوفان التغريب الموجه إلينا جميعا، وإن لم نفعل ذلك فلنكن على يقين أننا نمهد لهم طريق تحقيق أهدافهم في القارة ونصير كلنا عبيدا لهم.

توعية شباب القارة:

ينبغي القيام بتوعية شباب أفريقيا والبيان لهم أن هنالك فرصا كثيرة متاحة في بلدانهم للتكسب، يحتاج فقط إلى إعمال الذهن والخطة الدقيقة للحصول عليها، وبيان أن الغرب الذي يهرعون إليه ويتوهمون أنه جنة ليس كذلك، فوصول الغرب لا يعني الخروج من الضيق والفقر، والواقع خير دليل على ذلك.

كما يجب على الغيورين للقارة والمثقفين والاقتصاديين منهم أن يقوموا بدورهم من تشجيع الشباب على البقاء، ومساعدتهم في وضع خطط تخرجهم من البطالة وإقناعهم عمليا أن الفرص في بلادنا كثيرة، وهذا سوف يحد من تلك الهجرة غير الشرعية بإذن الله.

وفي الختام، لا نريد في قارتنا الأفريقية ما يزيد المشاكل ويعمق الجروح، وإنما نريد من يبني ويجمع أبناء القارة حتى يكونوا يدا واحدة لبناء القارة واستنباط خيراتها وتسخيرها فيما ينفعنا جميعا، تحيا الشعوب الأفريقية جميعا.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.