السونكولوجية.. سؤالُ البديل وحتميَّةُ التغيير ج/2

محمد بشير جوب

 

 

السونكولوجية أُفقٌ ومعالم.

السونكولوجية اسمٌ على حركة داخلية اسْتُلهمتْ من وحي نضال شريف يمتد لعقود،  تهدف إلى تهذيب الفكر والعمل معا. وتسعى إلى تفعيل الوعي الفردي والجماعي في سلوك مُطَّرد، يكون قادرا على استجماع الطاقات المختلفة في قالب واحد ثم استثمارها من أجل بناء دعائم الدولة السنغالية. وهي قناعاتٌ غير مرتبطة بأشخاص مجردة، بل إيمان يُغذِّيه هدف واحد مشتركٌ، تَستنفرُ من أجله جموع مخلصةٌ من فئات مختلفةٌ.

كما أنها ليست أمنياتٍ أو رغباتٍ تدفعها عنترياتٌ عفويةٌ كما يريدها البعض، بل هي شعور عميق من أصحابها مع الاستعداد الكامل للتفاني والتضحية من أجلها. مقتنعين بأن أصحاب المبادئ يعيشون مئات السنين، وأصحاب المصالح يموتون مئات المرات. ولقد استلهم المرشح للانتخابات الرئاسية “عثمان سونكو” هذه الحركة فكرا وأداء فنال شرف نسبتها إليه لا أقل ولا أكثر.

ويرتكز الطرح السونكولوجي على معالم بارزة جعلته قادرا على تحدي النظام الطائش، وتتجلى هذه المعالم في الرؤية السياسية التي حاول “سونكو” إجلاءها في كتابه “الحلول” وفي تصريحات عديدة في أكثر من مناسبة. وهي مانحاول إبرازها بالجملة في الفقرات الآتية:

أولا: الإيمان:

 إنه أكبر من مجرد تحقيق التكليف العقدي بين المخلوق وخالقه بل يشمل أيضا تلك القوة الخارقة التي تحرك القوة المادية والطاقات الكامنة في الإنسان لينهض بنفسه وبأمته. فبين الاستسلام لواقع مرير وصل إلى درجة التواكل وبين التفاؤل المبالغ فيه وصل إلى درجة انتظار المعجزة يحاول سونكو في كتابه “الحلول” أن يمسك العصا في الطرف ويربط ربطا تلازميا بين بناء النهضة المنشودة وبين الإيمان والثقة بالنفس فيقول: “… الحقيقة هي أننا نمتلك إمكانيات عظيمة لم نشتغلها ولم نستطع تحويلها حتى الآن. فإن مصيرنا بأيدينا؛ وعلينا إدراك ذلك في عالم تزداد فيه القسوة في قواعد اللعبة التنافسية…” الحلول 

ولقد حان وضع السنغاليين أمام هذه الحقيقة، ثم بناء هذا الإيمان على أسس قوية تستطيع الصمود أمام جبروت العواصف التي تلاحقه. وبناء هذا الإيمان يستدعي استصحاب الركائز الآتية:

  • الوطنية.

الوطنية هي المعيار الجامع لأمة واحدة تشترك على قيم موحدة، والجانب الأهم في هذا المعيار هو الشعور المتجذر بالانتماء الوطني الكامل، وهو جوهر مفقود في تعاطي النخب التي تداولت الحكم لهذا البلد “… يجب إحياء هذا الشعور المشترك الذي يتجلي في الانتماء الواحد لنفس البلد، شعور يعزز اللبنات الأولى لوحدتنا المبنية على قيم مشتركة، ففي هذه المجادلة يجب أن نرسي ونشكل باستمرار الشعور بالحب المتين مع الاعتزاز من أجل الوطن…” الحلول 

  • العمل:

العمل ثمرة من ثمرات المواطنة المبنية على أسس صحيحة، وهو الذي يعكس مدى متانة الانتماء الوطني للمواطن أو عدمه. فالتضحية والتفاني من أجل الوطن هي الراية المقدسة للمواطن الأصيل الذي يعتز بوطنه، والكل مدعو لتوفير الظروف المناسبة للعمل وعبر عن ذلك بالقول: “… يجب أن نقبل أن علاقتنا مع العمل ليست على مستوى الكوري الجنوبي أو الألماني أو الأمريكي، لا بالكيف ولا بالكم… “ الحلول  

يشير هذا إلى الشرخ الموجود بين الانتماء الوطني والأداء العملي للمواطن السنغالي نتيجة الخلل الترابطي بينهما.

  • الأخلاق.

أقصى النهج الميكافيلي الرائج في الساحة السنغالية الدين والخلق من العمل السياسي، فلم تعد حسابات الفضيلة والرذيلة في بال العاملين في الحقل السياسي. وليست هذه الظاهرة وليدة اليوم، إلا أن حجمها الحالي وصل إلى درجة غير مسبوقة كلها تشير إلى الكساد الأخلاقي الذي تعاني منه النخبة وانعكست بالضرورة على الحياة العامة للمواطنين.

ظهور هذا النهج السياسي لـ “عثمان سونكو” في هذا السياق يمثل ضربة قوية تزعزع أركان النظام المتهور، وهذا ما سبب هذا الدويّ من العجيج الذي يصدر من أطراف مختلفة هم في الأساس المستفيدون الأوائل من هذا الخرف السياسي  فلقد صرّح “سونكو” بالقول: “… نحب التحدث كثيرا عن الأخلاق وما يجب أن تكون الأخلاق والدين ولكن كثيرا مانحصر ذلك في خطابات رنّانة فقط… ومن المُحتَّم أن نوقظ ضمير كل فرد فينا؛ كي نعيَ ضرورة التوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، والانتصار للأولى في حال وجود تعارض بينهما…” الحلول  

ثانيا: الواقعية السياسية:

 وهي نقيض الانسحابية والعفوية السياسية؛ وجمعٌ بين الالتزام والوعي السياسي. فبخلاف المعهود تميز “سونكو” في طرحه بالانخراط الكامل في القضايا المصيرية للبلاد دون توجس مع طرح مختلف ومتأصل محاولا تقديم حلول لها.

 يرى “سونكو” أن الواقعية السياسية  تبدأ أولا بالشعور بالوجود الذاتي وبوجود الخيار الحر لكل شعب  فطفح يقول: “… يجب علينا التناغم مع المتغيرات الجديدة في العالم، ونعد أنفسنا من ضمن الشوب الموجودة ونجبر الآخرين على احترام مساهماتنا في مسيرة التقدم الإنساني وفي تقدمنا الذاتي… “ الحلول 

هذه الدعوة صريحة في أننا إذا أردنا تحقيق التقدم في هذا العالم القاسي يجب أن نجتاز الوجود الذاتي إلى الوجود الفعلي، وأن نستغل تجانسنا ونصطلح مع هويتنا قبل الانفتاح إلى العالم وفق منطقنا وخصوصياتنا. وعندما يصدع “سونكو” بهذه الحقيقة فلأن الأفكار والحلول المستورة منذ قيام الدولة أحدث شللا في الاقتصاد والتنمية والتربية، وذلك لانفصامها عن الواقع.

ثالثا: وضوح الرؤية:

تداولت الحكم على الدول الأفريقية نخب من خلفيات مختلفة، وإذا كان بعضهم افتقد إلى الشرعية للحكم فإن البعض الآخر فقد القدرة على إرساء خطط مستقبلية تنهض بدولهم، واعتمدو على خطط وبرامج ظرفية لم تُلبِّ مقتضيات الواقع. اقتصاديا على سبيل المثال في غضون خمس سنوات تبنى التحالف الحاكم  في السنغال ثلاث برامج اقتصادية مختلفة كل برنامج لاحق يدل على فشل الأول، ومع ذلك يبقى السنغال في ذيل الـ(25) دولة الأكثر فقرا في العالم. ويكفي هذا توقيعا على فشل النظام القائم والأنظمة قبله بسبب انعدام الرؤية الواضحة.

اقترح “سونكو” برنامجا تنمويا مفصلا في كتابه الحلول يتميز عن كل البرامج السابقة بكونه يرتكز على بعدين رئيسيين. أولهما:  تكريس السيادة الداخلية، مايعني إعطاء الأولوية للقطاعات الاقتصادية الوطنية. ثانيهما: تفعيل السيادة الخارجية، مايعني بناء العلاقات مع القوى الخارجية على أساس الربح المشترك ولا الإذعان المطلق، يقول “سونكو”: “… لنكن واضحين ليس تعصبا قوميا لكن من منطلق الاحترام المشترك والانفتاح مع الآخرين لكن أولا وقبل كل شيء تقديم الأولوية لمصالح الـ 14 مليون ونصف مليون سنغالي والدفاع عنها… “ الحلول 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.